سبحانه وتعالى (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١).
يقول ابن القيم : فجعل التوكل شرطا فى الإيمان ، فدل على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل ، وجعل دليل صحة الإسلام التوكل.
وقال تعالى : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) فذكر اسم الإيمان هاهنا دون سائر أسمائهم دليل على استدعاء الإيمان للتوكل وأن قوة التوكل وضعفه بحسب قوة الإيمان وضعفه ، وكلما قوى إيمان العبد كان توكله أقوى وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل وإذا كان التوكل ضعيفا فهو دليل على ضعف الإيمان ولا بد والله تعالى يجمع بين التوكل والعبادة وبين التوكل والإيمان وبين التوكل والإسلام وبين التوكل والتقوى وبين التوكل والهداية ... فظهر أن التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان ولجميع أعمال الإسلام وأن منزلته منها منزلة الجسد من الرأس فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل (٢).
ويقول أيضا : وحقيقة الأمر أن التوكل حال مركبة من مجموع أمور لا تتم حقيقة التوكل إلا بها ، فأول ذلك : معرفة بالرب وصفاته : من قدرته وكفايته وقيوميته وانتهاء الأمور إلى علمه وصدورها من مشيئته وقدرته.
قال شيخنا : ولذلك لا يصح التوكل ولا يتصور من فيلسوف ولا من القدرية النفاة القائلين : بأنه يكون فى ملكه ما لا يشاء ولا يستقيم أيضا من الجهمية النفاة لصفات الرب جل جلاله ولا يستقيم التوكل إلا من أهل الإثبات (٣). اه
وفى كتابه الفوائد يقول :
التوكل على الله نوعان :
أحدهما : توكل عليه فى جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية أو دفع
__________________
(١) سورة المائدة / ٢٣.
(٢) طريق الهجرتين ص : ٢٥٥ ـ ٢٥٨.
(٣) مدارج السالكين ١ / ١٢٣.