كانت كذلك فلا يجري الاستصحاب فيها ؛ إمّا لعدم الشكّ فيها بعد اتّصاف النفس بها ، أو لكونها من الصفات الخارجيّة التكوينيّة ، ولا يترتّب عليها أثر شرعي مهمّ كما أشار إليه صاحب الكفاية.
وأمّا على ما هو التحقيق من كونها من المناصب المجعولة الإلهيّة لمن كان صالحا وأهلا لها ، فهل يجري الاستصحاب فيها أم لا؟
وتفصيل الكلام في المقام : أنّ استدلال الكتابي لإثبات دينه بالاستصحاب لا يخلو من وجهين : إمّا أن يكون استدلاله لمعذوريّته في البقاء على اليهوديّة ـ مثلا ـ وإمّا أن يكون لإلزام المسلمين ودعوتهم إلى اليهوديّة ، فإن كان مراده الأوّل فنقول له : أنت شاكّ في بقاء نبوة نبيّك أم لا؟ فإن اختار الثاني فلا معنى للاستصحاب ؛ إذ لا بدّ فيه من الشكّ في بقاء المتيقّن ، وإن اختار الأوّل فنقول له : لا بدّ لك من الفحص ، فإنّ النبوّة ليست بأقلّ من الفروع التي يتوقّف جريان الاستصحاب فيها على الفحص ، وبعد الفحص يصل إلى الحقّ ويزول الشكّ عنه ، ومع فرض بقاء شكّه لا فائدة في الاستصحاب ؛ لكون النبوّة من الامور التي تجب المعرفة واليقين بها ، فليست قابلة للتعبّد الاستصحابي ، ومع فرض كفاية الظنّ فيها نقول : الاستصحاب لا يفيد الظنّ أوّلا ، ولا دليل على حجّيّة الظنّ الحاصل منه ثانيا.
هذا كلّه في استصحاب النبوّة ، وأمّا استصحاب بقاء أحكام الشريعة السابقة فغير جار أيضا ، إذ نقول له : الاستصحاب إن كان حجّة في الشريعة السابقة لا يمكن التمسّك به لبقاء أحكام الشريعة السابقة ؛ إذ حجّيّة الاستصحاب من جملة تلك الأحكام ، فيلزم التمسّك به لإثبات بقاء نفسه ، وهو دور ظاهر.