ولا يمكن أن يكون أحدهما المعيّن عند الله واجبا ، لأنّه لا ترجيح بين الفردين ، ولا يكون أحدهما الغير المعيّن أيضا واجبا لا أحدهما الغير المعيّن المصداقي ، لعدم إمكان تصوّر وجود الغير المعيّن الخارجي ولا أحدهما الغير المعيّن المفهومي ، حيث إنّه ولو لم يكن مانعا منه إلّا أنّه لا مقتض له ، ولا يمكن أن يكون كلّ من الفردين واجبا تعيينا مع سقوط وجوب أحدهما بفعل الآخر ، لأنّه في الصورة الاولى لأجل مصلحة التسهيل لا يلزم تحصيل أحد الغرضين رأسا ، فوجوبه تعيينا يكون غير ممكن ، وفي الصورة الثانية بعد ما كان الفردان في محصلية الغرض على السواء ولا يكون إلّا غرض واحد ، فوجوبهما تعيينا لا معنى له.
فظهر لك أنّه لا بدّ أن يكون وجوب الفردين على التخيير بمعنى عدم جواز تركه إلّا الى بدل وأنّ التخيير يكون شرعيا لا عقليا كما فرضه المحقّق الخراساني رحمهالله وبما قلنا في الصورة الثانية يمكن أن يقال في الواجب الكفائي ، حيث إنّ في الواجب الكفائي يكون للشارع غرض ويلزم تحصيل الغرض ، ومحصّل هذا الغرض يكون المكلفين ، فالوجوب على أفراد المكلفين يكون تخييريا بمعنى عدم جواز تركه إلّا الى بدل ، مثلا يتعلّق غرض الشارع بدفن الميت ، فوجب على المكلّفين دفن الميت فيكون الوجوب على أفراد المكلفين وجوبا تخييريا ، بمعنى عدم جواز تركه إلّا الى بدل ، فلو أتى به من المكلفين سقط الوجوب عن سائرهم ، ولو لم يأت بها كلّهم يكون كلّهم آثما ومستحقّا للعقاب.
فظهر لك أنّه يمكن تصوير الواجب الكفائي بما قلنا ، ولا فرق بينه وبين الواجب التخييري ، غاية الأمر يكون التخيير في الواجب التخييري بين أفراد المأمور به وفي الواجب الكفائي يكون التخيير بين المكلفين. هذا تمام الكلام في تصوير الواجب التخييري.