ذلك تهمة في حقّه ، وانّه هو الواضع للشريعة من تلقاء نفسه ، وهو مخلّ بمقصود البعثة ، وهو ممتنع.
اعترض على الأوّل بأنّ الآية تنصرف إلى ما ينطق به دون ما يظهر منه فعلا فمن أين ان كلّ ما فعله كان وحيا ؛ قاله قاضي القضاة. (١)
وقال أبو الحسين : إنّ قوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) لا يمنع من كونه مجتهدا ، لأنّ الحكم بالاجتهاد ليس هو عن هوى. (٢)
وقيل أيضا إنّه تعالى إذا قال له : مهما ظننت كذا فاعلم أنّ حكمي كذا ، فهنا العمل بالظن عمل بالوحي لا بالهوى. (٣)
وفيه نظر ، لأنّ القصد ليس النطق اللساني ، بل الحكم الشامل للذهن والنطق.
سلّمنا ، لكنّه إذا اجتهد فلا بد وأن ينطق بحكم اجتهاده والإخبار عمّا ظنّه من الحكم فتكون الآية متناولة له. ومن المعلوم أنّ ما ينطق به إذا كان مستنده الاجتهاد لم يكن عن وحي ولم يقتصر على قوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) حتى عقبه بقوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) فيخرج عنه كون الاجتهاد ليس عن هوى.
وعلى قوله تعالى : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) أنّه
__________________
(١) نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد : ٢ / ٢٤٢.
(٢) المعتمد : ٢ / ٢٤٢.
(٣) القائل هو الرازي في المحصول : ٢ / ٤٩٢.