وبعبارة أخرى : انّ العمل بالظن عبارة عن صحّة إسناد مؤدّاه إلى الشارع في مقام العمل ، ومن المعلوم أنّ إسناد المؤدّى إلى الشارع والعمل به إنّما يصحّ في حالة الإذعان بأنّ الشارع جعله حجّة ، وإلّا يكون الإسناد تشريعا قوليا وعمليا دلّت على حرمته الأدلّة الأربعة ، وليس التشريع إلّا إسناد ما لم يعلم أنّه من الدين إلى الدين.
قال سبحانه : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ).(١)
فالآية تدلّ على أنّ الإسناد إلى الله يجب أن يكون مقرونا بالإذن منه سبحانه ، وفي غير هذه الصورة يعدّ افتراء ، سواء كان الإذن مشكوك الوجود كما في المقام أو مقطوع العدم ، والآية تعمّ كلا القسمين ، والمفروض أنّ العامل بالظن شاك في إذنه سبحانه ومع ذلك ينسبه إليه.
وقال سبحانه : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).(٢)
تجد انّه سبحانه يذم التقوّل بما لا تعلم حدوده من الله ، سواء أكان مخالفا للواقع أم لا ، والعامل بالظن يتقوّل بلا علم.
وتترتّب على ذلك النتيجة التالية :
إنّ الضابطة الكلية في العمل بالظن هي المنع ، لكونه تشريعا قوليا
__________________
(١) يونس : ٥٩.
(٢) الأعراف : ٢٨.