فذهب جماعة إلى منعه (١) ؛ لأنّ العلّة إمّا بمعنى الباعث ، ويلزم من تأخّرها عن الحكم ثبوت الحكم بغير باعث ، أو بباعث غير العلّة المتأخّرة عنه ، لاستحالة ثبوت الحكم بباعث لا تحقّق له مع الحكم.
وإمّا بمعنى الأمارة ، وهو باطل ، لامتناع التعليل بمجرد الأمارات ؛ ولأنّها إذا كانت بمعنى الأمارة ففائدة الأمارة إنّما هو في تعريف الحكم ، وقد عرف قبلها ضرورة سبقه في الوجود عليها ، وتعريف المعروف محال.
لا يقال : إنّما يستقيم ما ذكرتم لو امتنع تعليل الحكم الواحد بعلّتين ، أمّا على تقدير جوازه فلا يمتنع تعليله بعلّة مصاحبة وأخرى متأخّرة.
لأنّا نقول (٢) : قد بيّنّا امتناع تعليل الحكم بعلّتين في صورة واحدة ، ولو قدرنا جوازه فإنّما يجوز بتقدير أن لا تكون إحدى العلّتين متقدّمة على الأخرى.
وفيه نظر ، لجواز أن يكون بمعنى الباعث والغاية متأخّرة في الوجود ، وبمعنى المعرّف ويجوز تأخّره ، لأنّ المعرّف في الأصل النص وفي الفرع العلّة المتأخّرة.
__________________
(١) وهو مختار الآمدي في الإحكام : ٣ / ٢٦٤.
(٢) ذكر الإشكال والجواب عنه في الإحكام : ٣ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥.