وأمّا الثالث فإنّه جائز ، كتحريم الصوم والصلاة ومسّ المصحف بالحيض ، لأنّ العلّة إمّا بمعنى الباعث ولا امتناع في أن يكون الوصف الواحد باعثا للشرع على حكمين مختلفين ، أي مناسبا لهما ، كمناسبة شرب الخمر للتحريم ووجوب الحد ، وكذا التصرف بالبيع من أهله في محلّه ، فإنّه مناسب لصحّة البيع ولزومه.
أو بمعنى الإمارة ويمكن عقلا وشرعا نصب أمارة واحدة على حكمين مختلفين ، كالحد والضمان في السرقة.
لا يقال (١) : إذا كان الوصف مناسبا لأحد الحكمين ، فمعناه أنّه لو رتب ذلك الحكم عليه لحصل مقصوده ، فحينئذ يمتنع أن يكون مناسبا للحكم الآخر ، لأنّه لو ناسبه لكان بمعنى أن ترتيبه عليه يحصل المقصود منه ، وفي ذلك تحصيل الحاصل لكونه حاصلا بالحكم الآخر.
وأيضا إذا كان الوصف الواحد مناسبا لحكمين مختلفين امتنع أن يناسبهما من جهة واحدة ، فإنّ الشيء لا يكون مناسبا لشيء من جهة ما يناسب مخالفه ، وإن ناسبهما من جهتين مختلفتين كانت علة الحكمين مختلفة لا أنّها متّحدة.
لأنّا نقول : إنّ معنى المناسب أعم ممّا ذكروه ، لأنّ المناسب ينقسم إلى ما يترتب الحكم الواحد عليه ، ويستقل بتحصيل مقصوده ، وذلك ممّا يمنع كونه مناسبا للحكمين بهذا التفسير.
__________________
(١) ذكره مع الجواب عنه في الإحكام : ٣ / ٢٦١.