وقال أبو موسى الأشعري عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من
__________________
تفيد أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية ، وما دام أنه حكم عليه منذ القدم وقبل أن يخلق بالجنة أو بالنار ، وقد يتوهم آخرون أن الأمر فوضى أو حظ ، فمن وقع في القبضة اليمنى كان من أهل السعادة ، ومن كان من القبضة الأخرى كان من أهل الشقاوة.
فيجب أن يعلم هؤلاء جميعا أن الله (ليس كمثله شيء) لا في ذاته ولا في صفاته ، فإذا قبض قبضة فهى بعلمه وعدله وحكمته ، فهو تعالى قبض باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته ، وقبض بالأخرى على من سبق في علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعته ، ويستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى ، والعكس بالعكس كيف والله عزوجل يقول : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).
ثم إن كلا من القبضتين ليس فيها إجبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار ، بل هو حكم من الله تبارك وتعالى عليهم بما سيصدر منهم من إيمان يستلزم الجنة أو كفر يقتضي النار والعياذ بالله تعالى منها ، وكل من الإيمان أو الكفر أمران اختياريان ، لا يكره الله تبارك وتعالى أحدا من خلقه على واحد منهما (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) وهذا مشاهد معلوم بالضرورة ولو لا ذلك لكان الثواب والعقاب عبثا والله منزه عن ذلك.
ومن المؤسف حقا أن نسمع من كثير من الناس حتى من بعض المشايخ التصريح بأن الإنسان مجبور لا إرادة له ، وبذلك يلزمون أنفسهم القول بأن الله يجوز له أن يظلم الناس ، مع تصريحه تعالى بأنه لا يظلمهم مثقال ذرة ، وإعلامه بأنه قادر على الظلم ولكنه نزه نفسه عنه كما في الحديث القدسي المشهور : «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ...» الحديث ، وإذا جوبهوا بهذه الحقيقة بادروا إلى الاحتجاج بقوله تعالى (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) مصرين بذلك على أن الله تعالى قد يظلم ولكنه لا يسأل عن ذلك ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وفاته أن الآية حجة عليهم لأن المراد بها ـ كما حققه العلامة ابن القيم وغيره ـ أن الله تعالى لحكمته وعدله في حكمه ليس لأحد أن يسأله عما يفعل ، لأن كل أحكامه تعالى عدل واضح فلا داعى للسؤال ، وللشيخ يوسف الدجوى رسالة مفيدة في تفسير هذه الآية لعله أخذ مادتها من ابن القيم فلتراجع. ا ه. «الصحيحة» (١ / ٧٠ ـ ٧١).