__________________
وقال :
قال ابن التين : ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ، والجمع بينهما من وجهين : أحدهما أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة ، وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة ، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك ، ومثل هذا ما جاء عن النبي صلىاللهعليهوسلم تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم ، فأعطاه الله ليلة القدر.
وحاصلة أن صلة الرحم تكون سببا للتوفيق للطاعة ، والصيانة عن المعصية فيبقى بعده الذكر الجميل ، فكأنه لم يمت ، ومن جملة ما يحصل له من التوفيق : العلم الذي ينتفع به من بعده ، والصدقة الجارية عليه ، والخلف الصالح.
وثانيهما : أن الزيادة على حقيقتها ، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر ، أما الأول الذي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله تعالى ، كأن يقال للملك مثلا : أن عمر فلان مائة مثلا إن وصل رحمه ، وستون إن قطعها ، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع ، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر ، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص وإليه الإشارة بقوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) ؛ فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك ، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة ويقال له القضاء المبرم ، ويقال للأول القضاء المعلق.
والوجه الأول أليق بلفظ حديث الباب ، فإن الأثر ما يتبع الشيء ، فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور ا ه.
وقال الطيبي : الوجه الأول أظهر ، وإليه يشير كلام صاحب «الفائق» قال : ويجوز أن يكون المعنى : أن الله يبقي أثر واصل في الدنيا طويلا فلا يضمحل سريعا كما يضمحل أثر قاطع الرحم ، ومن هذه المادة قول الخليل عليهالسلام : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) ا ه.
وجزم ابن فورك بأن المراد بزيادة العمر نفي الآفات عن صاحب البر في فهمه وعقله ، وقال غيره : في أعم من ذلك وفي وجود البركة في رزقه وعلمه ونحو ذلك ا ه (نقلا من «الفتح» بتصرف) (١٠ / ٤٣٠).
وللمزيد راجع «فتح البارى» كتاب «القدر».