الوجه
الثاني عشر : إنه من المعلوم أن المعنى المستعار يكون في المستعار منه أكمل منه في المستعار
له ، وأن المعنى الذي دل عليه اللفظ بالحقيقة أكمل من المعنى الذي دل عليه بالمجاز
، وإنما يستعار لتكميل المعنى المجازي تشبيهه بالحقيقي كما يستعار الشمس والقمر
والبحر للرجل الشجاع والجميل والجواد ، فإذا جعل الرحمن والرحيم والودود وغيرهما
من أسمائه سبحانه حقيقة في العبد ، مجازا في الرب لزم أن تكون هذه الصفات في العبد
أكمل منها في الرب تعالى.
الوجه
الثالث عشر : إن وصفه تعالى بكونه رحمانا رحيما حقيقة أولى من وصفه بالإرادة ، وذلك أن من
أسمائه الحسنى الرحمن الرحيم ، وليس في أسمائه الحسنى المريد ، والمتكلمون يقولون
مريد لبيان إثبات الصفة ، وإلا فليس ذلك من أسمائه الحسنى ، لأن الإرادة تناول ما
يحسن إرادته وما لا يحسن ، فلم يوصف بالاسم المطلق منها ، كما ليس في أسمائه
الحسنى الفاعل ولا المتكلم ، وإن كان فعالا مريدا متكلما بالصدق والعدل ، فليس الوصف
بمطلق الكلام ومطلق الإرادة ، ومطلق الفعل يقتضي مدحا وحمدا حتى يكون ذلك متعلقا
بما يحسن تعلقه به ، بخلاف العليم القدير والعدل والمحسن والرحمن الرحيم ، فإن هذه
كمالات في أنفسها لا تكون نقصا ولا مستلزمة لنقص البتة ، فإذا قيل إنه مريد حقيقة
وله إرادة حقيقية ، وليس من أسمائه الحسنى المريد ، فلأن يكون رحمانا رحيما حقيقة
وهو موصوف بالرحمة حقيقة ، ومن أسمائه الرحمن الرحيم أولى وأحرى.
(الفرق بين رحمة الخالق ورحمة المخلوق)
الوجه
الرابع عشر : إن الرحمة مقرونة في حق العبد بلوازم المخلوق من الحدوث والنقص والضعف وغيره ،
وهذه اللوازم ممتنعة على الله تعالى ، فإما أن تكون الرحمة اسما للقدر الممدوح فقط
، أو الممدوح وما يلزمه من النقص فإن كانت اسما للقدر الكامل الذي لا يستلزم نقصا
، وذلك ثابت للرب تعالى كانت حقيقة في حقه قطعا ، وإن كانت اسما للمجموع فالثابت
للرب تعالى هو