يقولوا اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة ، وليس يمتنع مثل هذا : ألا ترى أنه إذا قال اعطوا فلانا ثوبا أصفر ، كان ذلك حقيقة في الثوب الأصفر بهذا اللفظ ، فإذا قال : اعطه ثوبا ولا تعطه غير الأصفر ، كان ذلك حقيقة فيه عند وجود القرينة فكذلك هذا مثله ، ويخالف هذا إذا استعمل اسم الحمار في الرجل البليد واسم الأسد في الرجل الشجاع ؛ لأن ذلك اللفظ يحمل عليه بالقرينة الدالة عليه لا بمجرد اللفظ. فإن القرينة تدل على المراد باللفظ وهي مماثلة له في الحكم فهى دالة على ما أريد به. فكان اللفظ مستعملا بالقرينة فكان مجازا. وليس كذلك استعمال لفظ العموم في الخصوص فإن ما بينت المراد باللفظ ، وإنما بينت ما ليس بمراد فكان استعمال اللفظ في المراد بنفسه لا بالقرينة ، فإنه لا يجوز أن يكون مستعملا بالقرينة والقرينة مضادة له. فكان ذلك حقيقة فيما استعمل فيه لا مجازا.
قال : ودلالة على من ساوى بين القرينة المتصلة والمنفصلة ـ يعنى فجعل الجميع مجازا ـ وهو أنا نقول لا فرق عند أهل اللغة بين قول القائل لفلان خمسة دراهم وبين قوله عشرة إلا خمسة. في أن كل واحد من اللفظين يعبر به عن الخمسة ويدل عليها ، فلما كان لفظ الخمسة فيها كذلك قالوا عشرة إلا خمسة يجب أن يكون حقيقة فيها. وهكذا يجب حكم كل دليل على تخصيص اللفظ بما يتصل به فأما من فرق بين الدليل المتصل والمنفصل فإنه فصل بين الموضوعين بأن قال الكلام إذا اتصل بعضه ببعض بني بعضه على بعض فكان ذلك حقيقة فيما بقى. وإذا انفصل بعضه عن بعض لم يبين فكان مجازا فيه. قال : وهذا غلط لأنه فرق بين القرينة المتصلة والمنفصلة في أن اللفظ مبنى عليها ودلالة على ما ليس بمراد منه وما بقى يكون ثابتا فيها باللفظ لا بقرينة. فيجب أن لا يفترق حالهما بوجه. وقد وافق أبا حامد على ذلك أئمة أصحاب الشافعي. كالقاضي أبي الطيب الطبري وأبي اسحاق الشيرازي وأبي نصر بن الصباغ.
* * *