عرفوا الله (١) فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ـ الحديث» وهو في «الصحيحين» ؛ واللفظ لمسلم (٢).
وقد نزه سبحانه نفسه عن غير ما يصفه المرسلون فقال : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الصافات : ١٨٠ ـ ١٨٣) فنزه نفسه عما يصفه به الخلق ثم سلم على المرسلين
__________________
ومع ذلك فدليل كل أحد بحسبه ، وتكفي الأدلة المجملة التي تحصل بأدنى نظر ، ومن حصلت عنده شبهة وجب عليه التعلم إلى أن تزول عنه.
قال : فبهذا يحصل الجمع بين كلام الطائفة المتوسطة ، وأما من غلا فقال : لا يكفي إيمان المقلد فلا يلتفت إليه ، لما يلزم منه من القول بعدم إيمان أكثر المسلمين ، وكذا من غلا أيضا فقال : لا يجوز النظر في الأدلة لما يلزم منه من أن أكابر السلف لم يكونوا من أهل النظر. انتهى ملخصا.
(١) قوله : «فإذا عرفوا الله» قال الحافظ : استدل به بأن معرفة الله بحقيقة كنهه ممكنة للبشر ، فإن كان ذلك مقيدا بما عرف به نفسه من وجوده وصفاته اللائقة من العلم القدرة والإرادة مثلا ، وتنزيهه عن كل نقيصة كالحدوث فلا بأس به ، فأما ما عدا ذلك فإنه غير معلوم للبشر وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فإذا حمل قوله : «فإذا عرفوا الله» على ذلك كان واضحا.
مع أن الاحتجاج به يتوقف على الجزم بأنه صلىاللهعليهوسلم نطق بهذه اللفظة وفيه نظر ، لأن القصة واحدة ورواة هذا الحديث اختلفوا : هل ورد الحديث بهذا اللفظ أو بغيره؟ فلم يقل صلىاللهعليهوسلم إلا بلفظ منها ، ومع احتمال أن يكون هذا اللفظ من تصرف الرواة لا يتم الاستدلال ، وقد بينت في أواخر «كتاب الزكاة» أن الأكثر رووه بلفظ «فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك» ومنهم من رواه بلفظ «فادعهم إلى أن يوحدوا الله ، فإذا عرفوا ذلك ومنهم من رواه بلفظ «فادعهم إلى عبادة الله ، فإذا عرفوا الله».
ووجه الجمع بينهما أن المراد بالعبادة : التوحيد ، والمراد بالتوحيد : الإقرار بالشهادتين ، والإشارة بقوله «ذلك» إلى التوحيد ، وقوله : «فإذا عرفوا الله» : أى عرفوا توحيد الله. والمراد بالمعرفة الإقرار والطواعية فبذلك يجمع بين هذه الألفاظ المختلفة في القصة الواحدة وبالله التوفيق. أه «فتح البارى» (١٣ / ٣٦٧).
(٢) أخرجه البخاري (١٣٩٥ ـ ١٤٩٦ ـ ٧٣٧٢) ، ومسلم في (الإيمان / ١٩).