لمعاذ بن جبل : وقد أرسله إلى اليمن «إنك تأتي قوما أهل كتاب (١) ؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة (٢) أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؛ فإذا
__________________
(١) هم اليهود ، وكان ابتداء دخول اليهودية اليمن من زمن أسعد ذى كرب وهو تبّع الأصغر كما ذكره ابن إسحاق مطولا في السيرة ، فقام الإسلام وبعض أهل اليمن على اليهودية ، ودخل دين النصرانية إلى اليمن بعد ذلك لما غلبت الحبشة على اليمن ، وكان منهم أبرهة صاحب الفيل الذي غزا مكة وأراد هدم الكعبة حتى أجلاهم عنها سيف بن ذي يزن ، كما ذكره ابن إسحاق مبسوطا أيضا ، ولم يبق بعد ذلك باليمن أحد من النصارى أصلا إلا بنجران وهى بين مكة واليمن ، وبقي ببعض بلادها قليل من اليهود. أه. أفاده الحافظ في «الفتح» (١٣ / ٣٦١).
(٢) قال الحافظ : تمسك به من قال : أول واجب المعرفة ، كإمام الحرمين ، واستدل بأنه لا يتأتى الإتيان بشيء من المأمورات على قصد الامتثال ، ولا الانكفاف عن شيء من المنهيات على قصد الانزجار إلا بعد معرفة الآمر والناهي ، واعترض عليه بأن المعرفة لا تتأتى إلا بالنظر والاستدلال ، وهو مقدمة الواجب فيجب ، فيكون أول واجب النظر ، وذهب إلى هذا طائفة كابن فورك ، وتعقب بأن النظر ذو أجزاء يترتب بعضها على بعض ، فيكون أول واجب جزأ من النظر ، وهو محكي عن القاضى أبى بكر بن الطيب ، وعن الأستاذ أبي إسحاق الأسفراييني : أول واجب القصد إلى النظر.
وجمع بعضهم بين هذه الأقوال بأن من قال أول واجب المعرفة أراد طلبا وتكليفا ، ومن قال النظر أو القصد أراد امتثالا ، لأنه يسلم أنه وسيلة إلى تحصيل المعرفة ، فيدل ذلك على سبق وجوب المعرفة ، وقد ذكرت في «كتاب الإيمان» من أعرض عن هذا من أصله وتمسك بقوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ، فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) وحديث : «كل مولود يولد على الفطرة» فإن ظاهر الآية والحديث أن المعرفة حاصلة بأصل الفطرة وأن الخروج عن ذلك يطرأ على الشخص لقوله صلىاللهعليهوسلم : «فأبواه يهودانه وينصرانه».
وقد وافق أبو جعفر السمناني وهو من رءوس الأشاعرة على هذا وقال : إن هذه المسألة بقيت في مقالة الأشعرى من مسائل المعتزلة ، وتفرع عليها أن الواجب على كل أحد معرفة الله بالأدلة الدالة عليه ، وأن لا يكفى التقليد في ذلك. أه.
ثم ذكر الحافظ كلام الأئمة وطوائف المسلمين في هذه المسألة وتفرقهم فيها ثم نقل عن الحافظ العلائى من «جزئه» أن يفصل في هذه المسألة فيقال : من لا له أهلية لفهم شيء من الأدلة أصلا وحصل له اليقين التام بالمطلوب إما بنشأته على ذلك أو لنور يقذفه الله في قلبه ، فإنه يكتفى منه بذلك ، ومن فيه أهلية لفهم الأدلة لم يكتف منه إلا بالإيمان عن دليل.