وتحريف الكلام إمالته عن المعنى المتبادر منه إلى معنى آخر لا يدل عليه اللفظ إلا باحتمال مرجوح ، فلا بد فيه من قرينة تبين أنه المراد.
وأما التعطيل : فالمراد منه هنا نفى الصفات الإلهية ، وإنكار قيامها بذاته تعالى ، فالفرق بين التحريف والتعطيل أن التعطيل نفى للمعنى الحق الّذي دل عليه الكتاب والسنة ، وأما التحريف فهو تفسير النصوص بالمعانى الباطلة التي لا تدل عليها.
والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق ، فإن التعطيل أعم مطلقا من التحريف ؛ بمعنى أنه كلما وجد التحريف وجد التعطيل دون العكس ، وبذلك يوجدان معا فيمن أثبت المعنى الباطل ونفى المعنى الحق ، ويوجد التعطيل بدون التحريف فيمن نفى الصفات الواردة في الكتاب والسنة وزعم أن ظاهرها غير مراد ولكنه يعين لها معنى آخر وهو ما يسمونه بالتفويض.
ومن الخطأ القول بأن هذا ـ يعنى التفويض ـ هو مذهب السلف ، كما نسب ذلك إليهم المتأخرون من الأشاعرة وغيرهم ، فإن السلف لم يكونوا يفوضون في علم المعنى ، ولا كانوا يقرءون كلاما لا يفهمون معناه ، بل كانوا يفهمون معانى النصوص من الكتاب والسنة ، ويثبتونها لله عزوجل ، ثم يفوضون فيما وراء ذلك من كنه الصفات أو كيفياتها ، كما قال مالك حين سئل عن كيفية استوائه تعالى على العرش : «الاستواء معلوم والكيف مجهول».
وأما قوله : (من غير تكييف ولا تمثيل) فالفرق بينهما أن التكييف أن يعتقد أن صفاته تعالى على كيفية كذا ، أو يسأل عنها بكيف.
وأما التمثيل : فهو اعتقاد أنها مثل صفات المخلوقين ، وليس المراد من قوله من غير تكييف أنهم ينفون الكيف مطلقا ، فإن كل شيء لا بد أن يكون على كيفية ما ، ولكن المراد أنهم ينفون علمهم بالكيف إذ لا يعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه أه. بتصرف.
ثم وجدت ما يؤيد كلامي هذا ـ والحمد لله من قبل ومن بعد ـ ، فمن ذلك