ولا يزال كذلك حتّى يجد الخصم نفسه أنّه قد وقع في فخّه. وربما يعبّر عنه في الفلسفة الحديثة ب «الطريقة الديالكتيكية».
وحاصل الطريقة الّتي تبناها سقراط في الوصول إلى الحقائق إلقاء الأسئلة السؤال تلو الآخر ، على وجه يكون مجموع الأسئلة وأجوبتها موصلاً إلى الحق.
ولأجل ذلك اشتهر عن سقراط أنّه كان يقول : أنا لست معلّماً ، ولا أُعلّم الشيء الجديد للتلاميذ ، وإنّما دوري في التعليم هو تهيئة أرضية صالحة لأن استثمر فكر المتعلّم ، وأُخرج العلوم والمعارف المكنونة في ذاته ونفسه ، ليقف المتعلم على ما كان يعلمه بالفطرة وعلى وجه الإجمال ، يقف عليه بشكل مبسوط. وما أشبه عملي ودوري في مقام التعليم بعمل ودور القابلة ، فإنّها لا تخلق الطفل في الرحم ، وإنّما توجد الظروف المناسبة لتلد الأُم ما كانت تحمله في بطنها.
وهكذا ، فقد كان سقراط مؤمناً بالحقائق الواقعية كما كان مؤمناً بإمكان الوصول إليها ، ولكن على الطريقة الّتي كان يتبناها. فهو من طلائع أصحاب اليقين ، وهذه هي طريقته في تكميل النفوس وإبلاغها إلى القمة. وله محادثة مع «أريستوديم» بشأن مسألة اللاهوت ، مذكورة في الكتب ، أفحمه فيها على هذه الطريقة ، حيث أخذ يسأله السؤال بعد الآخر وهو يجيب عليها ، حتّى بلغا إلى النتيجة الّتي كان سقراط يتبناها (١).
* * *
٢ ـ أفلاطون (٢) (٤٢٨ ـ ٣٤٨ ق م)
هو أشهر فلاسفة اليونان الأقدمين. عَرِفَ فيلسوفَ عصره سقراط ، وتتلمذ عنده ، فلما حُكم على أُستاذه بالقتل ظلماً ، هجر وطنه وأكبّ على العلم.
كانت فلسفته فلسفة أُستاذه سقراط بعينها ، إلّا أنّه بما اكتسب من العلوم الكونية ، ألقاها على الناس في ثوب جديد ، ثمّ أضاف إليها أفكاره الخاصة
__________________
(١) لاحظ هذه المناظرة في دائرة معارف القرن الرابع عشر : ٥ / ١٩١ ـ ١٩٦.
(٢)otolP.