بحلاوته ، في حين أنّه لو تناول ملحاً ثمّ أكل بعده البطيخ ، يشعر بحلاوته.
وعلى ضوء جميع ذلك ، كيف يطمئنُّ الإنسان إلى ما يقف عليه من طريق الحس؟.
وقد ذكر القاضي الإيجي كثيراً من الأمثلة الّتي يغلط فيها الحسّ ، قال : «إنّا نرى الصغير كبيراً ، كالنار البعيدة في الظلمة ، وكالعنب في الماء تُرى كالإجاصة ، والخاتم المُقَرَّب من العين يرى كالحلقة الكبيرة. وبالعكس كالأشياء البعيدة. والواحد كثيراً كالقمر إذا نظرنا إليه مع غمض إحدى العينين ، أو إلى الماء عند طلوعه ، فإنّا نراه قمرين ، وكالأحول ، فإنّه يرى الواحد اثنين. وبالعكس ، كالرّحى إذا أُخرج من مركزها إلى محيطها خطوط متقاربة بألوان مختلفة ، بأنّها إذا دارت رؤيت كاللون الواحد الممتزج منها. والمعدوم موجوداً ، كالسراب ، وما يريه صاحب خفة اليد والشعبذة ، وكالخط لنزول القطرة ، والدائرة لإدارة الشعلة بسرعة. والمتحرك ساكناً ، وبالعكس ، كالظل يرى ساكناً وهو متحرّك ، وكراكب السفينة يراها ساكنة والشط متحركاً. والمتحرك إلى جهة ، متحركاً إلى خلافها ، كالقمر سائر إلى الغيم حين يسير الغيم إليه ، وإذا تحرّكنا إلى جهة ، رأيناه متحركاً إليها ، وإن تحرّك إلى خلافها. والشجر على الشط متنكّساً. والوجه طويلاً وعريضاً ومُعْوَجّاً بحسب اختلاف شكل المرآة» (١).
__________________
(١) وقد حاول تصحيح كلامهم بعد ذلك ، فقال : ولعلّهم أرادوا أنّ جزم العقل ليس بمجرّد الحسّ ، بل مع أُمور تنضم إليه ، فتضطره إلى الجزم ، لا نعلم ما هي؟ ومتى حصلت؟ وكيف حصلت؟ وإلّا (أي إن لم يريدوا بالقدح في الحسيّات ما ذكرناه من التأويل) فإليها (أي إلى الحسيّات) تنتهي علومهم (المواقف : ١٥ ، ط عالم الكتب ـ بيروت).
يقول الشريف في شرح هذه العبارة : فيكون القدح الحقيقي فيها ، قدحٌ في علومهم الّتي يفتخرون بها ، وذلك لا يُتصوّر ممن له أدنى مِسْكة ، فكيف مِنْ هؤلاء الأذكياء الأجلاء.
ثمّ بَيّن كيف تنتهي علومنا إلى الحسيّات ، وأضاف بأنّ القدح في الحسيّات يؤول إلى القدح في البديهيّات. (شرح المواقف : ١ / ١٢٦).
وقد ذكر في المواقف شبهات أُخرى للقادحين في البديهيات ، فمن أراد الاطّلاع فليلاحظ : ١٦ ، ١٩.