الإنسان. فالمفاهيم رهن عمليات ذهنية فكرية دون الاتّصال المباشر بالخارج ، وإن كان الذهن عاجزاً عن تلك العمليات لو لا الاتّصال بالخارج.
قال الإمام الرازي : «إنّ الإحساس بالجزئيات ، سبب لاستعداد النفس لقبول تصورات كلّية» (١).
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ تعريف العلم بأنّه صورة حاصلة من الشيء عند النفس ، لا يشمل المعقولات الثانوية المنطقية.
* * *
الجهة الثالثة ـ التعريف لا يشمل المعقولات الثانوية الفلسفية.
تنقسم المعقولات الثانوية إلى منطقية وفلسفية ، وقد تقدم بيان الأُولى ، وتتضح الثانية ببيان مقدمة ، وهي انّ عروض شيء على شيء آخر ، على أقسام :
الأوّل : عروض شيء لشيء في الخارج ، ويكون ـ عندئذٍ ـ العارض ، والمعروض ، ونفس العروض والاتّصاف ، كلُّها أُموراً خارجية. كسواد الفحم وريش الغراب ، فإنّ السواد ـ كمعروضه ـ أمران خارجيان ، كما أنّ العروض في الخارج ، كاتّصافهما به ، فيقال : الفحم أسود. وهذا ما يسمى بالمعقولات الأوليّة.
الثاني ـ ما يقابل القسم السابق ، وفيه يكون العارض والمعروض فضلاً عن العروض والاتّصاف ، كلّها في العقل. كالكليّة العارضة على مفهوم الإنسان. وهذا هو المعقول الثانوي بكلا الاصطلاحين : المنطقي والفلسفي.
الثالث ـ ما يكون عروضه في العقل دون الخارج ، ويكون الاتّصاف به في الخارج كعروض الأُبوة على الأب في الذهن. وهي لا تعرض عليه في الخارج ، لأنّ عروض شيء على شيء فرع وجود العارض في الخارج حتّى يتصور عروضه على الشيء ، فيه. والأُبوة بالمعنى الإضافي ، ليس لها شيء يحاذيها في الخارج ، فإنّه يمكن الإشارة إلى الأب وإلى الابن ، ولا يمكن الإشارة إلى الأُبوة. ولذا قالوا
__________________
(١) المباحث المشرقية ، ج ١ ، ص ٣٥٣.