الحق ، فإنّما
يصحّ في القسم الثاني ـ على ما سنشرحه ـ لا الأول. فإنّ لغلبة فرد أو طائفة أو
دولة على مثلها عوامل كثيرة لا صلة لها بالحق والباطل. نعم ، إذا كان اقتفاء منهج
سبباً لغلبة أصحاب المنهج الآخر ، فهذا من آيات أحقيّة المنهج الغالب وبطلان
المنهج المغلوب ، كما يشير إليه قوله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ
وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) ، وإليك البيان :
نحن نرى في الحياة
أنّ طائفة تثور على طائفة أُخرى وتتغلّب عليها ، وقد يتصور الإنسان الساذج أنّ
الغلبة هنا ، غلبة منهاج على منهاج ، ولكن كثيراً ما يتفق أن يكون من قبيل غلبة
طائفة على طائفة من دون أن يكون لأيّ المنهجين اللّذين تتبناهما أو تنسب إليهما كل
طائفة ، أدنى دخالة في تلك الغلبة والمغلوبية. ولأجل إيضاح الحال نمثّل بمثالين :
المثال الأوّل :
كان الصراع بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ومعاوية ، صراعاً عنيفاً ، استمرّ عدّة سنين ، وانتهى
بانتصار جيش معاوية ، وانهزام جيش علي عليهالسلام . ولا ريب أنّ علياً كان على الحق ، ومعاوية على الباطل حيث
تمرّد على وصي النبي أوّلاً ، ومُنْتَخَب المهاجرين والأنصار ثانياً ، فكيف
تُفَسَّر إذن هذه الغلبة؟
إنّ هذه الغلبة لم
تكن غلبة منهج على منهج ، بل كانت من قبيل غلبة طائفة على طائفة ، وهناك فروض
متعددة يمكن الاستعانة بها على تفسير هذه الغلبة ، مثل أن يقال : إنّ الشاميين
تغلبوا على العراقيين ، أو إنّ العراقيين ، لتخلّفهم عن منهاج الإمام علي عليهالسلام ، حالفتهم الهزيمة. والوقائع التاريخية تشهد على ذلك ، كيف
وقد كان علي عليهالسلام يشتكي من أهل العراق تخاذلهم عنه ، وتقاعسهم عن حقّه.
يقول عليهالسلام في إحدى خُطَبه لهم : «إنّي والله لأَظنُّ أنّ هؤلاء القوم
__________________