الأفراد المقدّرة فإنّا نفرضها موجودة ، ثمّ نحكم على الكلّ بأنّها كذا أو كذا. فإذا طابقتها النسبة كانت القضية صادقة ، وإلّا فكاذبة.
وأمّا القضايا الذهنية ، فالصدق فيها باعتبار مطابقة نسبتها لما في نفس الأمر ، إذ لا خارج لها حتّى تطابقه أو لا تطابقه. والمراد من نفس الأمر ، ما يقابل فرض الفارض. فقولنا : الإنسان كلي ، أو الإنسان نوع ، أو : الحيوان ذاتي للإنسان ، أو : الضاحك عرضي للإنسان ، كلها قضايا ليس لها مصاديق خارجية ملموسة حتّى تطابقها أو لا تطابقها. ومع هذا ، فلتلك القضايا واقعية في نفس الأمر ، وليست واقعيتها حسب فرض الفارض واعتبار المعتبر ، بدليل أنّ قولنا : «الإنسان جزئي» ، أو «ليس بنوع» ، باطل. وهذا يكشف عن أنّ هنا واقعية تفرض علينا صدق البعض وكذب البعض الآخر. فانطباقها على نفس الأمر ملاك الصدق ، وعدمها ملاك الكذب.
ومن هنا يعلم أنّ ملاك الصدق في القضايا الذهنية وفي جميع القضايا المعنونة في المنطق هو الانطباق على نفس الأمر الّذي هو أعمّ من الوجود الخارجي الملموس. فنفس الأمر في القضايا الخارجية هو خارجها ، وأمّا في القضايا الذهنية فهو واقعها ، وإن لم يكن لها خارج ملموس.
فلو كنّا في مقام تحديد الإنسان بما هو هو ، من دون نظر إلى الخارج ، نقول : الإنسان حيوان ناطق ، فهي مطابقة لنفس الأمر وإن لم يكن لها خارج ملموس.
ويقابله القضايا الكاذبة ، كقولنا : «الأربعة فرد» ، فإنها ليس لها خارج ولا واقع.
ولأجل مزيد من الإيضاح نقول :
إنّ كثيراً من القضايا المنطقية والرياضية والهندسية تفقد المصاديق الخارجية ، ومع ذلك فليست فاقدة للواقع المسمّى بنفس الأمر ، وذلك لأنّ القضايا المنطقية كقولنا : «الإنسان نوع» أو «الإنسان كليّ» ، وإن لم يكن لها مصداق في الخارج ، إلّا أنّ الخارج على وجه يصحح انتزاع هذه القضايا منه ، وانتقال الذهن منه إليها. فبما أنّه يرى أنّ زيداً وعمراً وبكراً يشتركون في الإنسانية ، وأنّ