ولكن كما أن انعكاس الصور من الخارج على المرآة يتوقف على صفائها ووجود شرائط تمكّن من انعكاسها عليها مثل وقوعها في زاوية خاصة ، وارتفاع الحجب بينها وبين المرئي ، كذلك لا بدّ في انعكاس حقائق الأشياء من عالم الغيب ، من صفاء النفس وصقالتها وطهارتها من آثار الذنب والعصيان وكل مناف للأخلاق والشيم ، وتحررها من قيود الطبيعة ، حتّى يسمع كلام جنود ربِّه ووحيهم.
ويصب العرفاء الشرائط اللازمة لإمكان التلقّي من الغيب ، في أمور ، لا بدّ من تحققها في النفس :
١. عدم نقصان جوهرها ، بأن لا تكون كنفس الصبي الّتي لا تتجلّى لها المعلومات لنقصانها.
٢. صفاؤها عن كدورات ظلمة الطبيعة وخبائث المعاصي ، وهو بمنزلة الصيقل عن الخبث والصدأ.
٣. توجهها الكامل إلى عالم الغيب ، وانصراف فكرها إلى المطلوب ، بأن لا تكون غارقة في الأُمور الدنيوية ، وهو بمنزلة محاذاة المرآة.
٤. تخليتها عن التعصّب والتقليد ، وهو بمنزلة ارتفاع الحجب. وربما يزيدون قولهم :
٥. التوصل إلى المطلوب بتأليف مقدمات مناسبة للوصول إليه على الترتيب المخصوص والشرائط المقررة.
فإذا ارتفعت حجب العصبية والسيئات عن النفس ، وحازت شطر الحق الأول (الله جلّ وعلا) ، تجلّت لها صورة عالم الملك والشهادة إجمالاً ، بحسب ما تستطيعه من الأخذ والتلقّي.
وما يتلقّاه الإنسان الطاهر ، من عالم الغيب بلا إعمال الحسّ والعقل ، إن كان راجعاً إلى شخص الإنسان ، يسمّى إلهاماً تارة ، وإشراقاً أُخرى ، وإن كان راجعاً إلى تربية الناس وتكميل نفوسهم بتشريع قوانين وتعاليم يرتقي بها المجتمع إلى الكمال ، فيسمّى وحياً ، والإنسان المتلقّي له نبيّاً.
ولكن بعض من يدّعون الإلهام والإشراق ، لا يكيلون العقل بصاع ،