العقل ، وكانت متضمنة للدور ، يحكم العقل بأنّها محال ، من غير فرق بين أن تكون في باب الطبيعيات أو الرياضيات أو الإلهيات.
وفيما ذكرناه من الأمثلة كفاية في تبيين هذا النوع من عمليات العقل. نعم ، هاهنا إشكال باسم مشكلة الدور في طريق الاستنتاج ، نتعرض لها.
مشكلة الدور وحلُّها
ذكروا مشكلة في طريق استنتاج حكم موضوعٍ من حكمٍ كلِّي ، وهي :
إنّ استكشاف حكم الموضوع المفروض ، يتوقف على الحكم الكلي الحاصل لدى العقل ، مع أنّ كليّة هذا الحكم وصدقه على وجه العموم ، يتوقف على إحراز وضع هذا الموضوع المطروح ، ولو لا تبيين حاله ، لما كان للعقل الحكم بالكليّة ، فالمعرفة العقلية عن هذا الطريق تستلزم الدور.
مثلاً : إذا أردنا أن نعرف حال الماء الماثل بين أيدينا ، وأنّه على أيِّ درجة من الحرارة يغلي ، نستكشف حاله من الحكم الكلّي القائل بأنّ كلَّ ماء يغلي على درجة (١٠٠). مع أنّ العلم بهذا الحكم ، بوصف الكليّة ، يتوقف على العلم بأنّ كلّ فردٍ من أفراد المياه ، حتّى هذا الفرد الماثل بين أيدينا ، يغلي عند هذه الدرجة. فلزم توقف التعرف على حكم الجزئي ، على العلم بهذا الحكم الكلّي ، مع أنّ العلم بكليته وعمومه وشموله ، يتوقف على التعرف على حكم هذا الماء الماثل بين أيدينا ، الّذي نريد أن نتعرف عليه. وهذا ما يقال من أنّ الاستدلال بالعقل عن طريق الشكل الأول يستلزم الدور.
ففي المثال المتقدم ، يقال :
ـ هذا ، ماءٌ يغلي.
ـ وكل ماءٍ يغلي ، درجة حرارته (١٠٠).
فهذا ، درجة حرارته (١٠٠).
فالعلم بالنتيجة موقوف على العلم بكليّة الكبرى ، كما أنّ العلم بها موقوف على العلم بالنتيجة.