التغيرات الذاتية في الدماغ ، ليتولد منهما العلم ، فغاية ما يسلب عن الصورة هو السذاجة والصرافة. وما ذكر في نقد هذه النظرية من أنّ الأثر المتولد من المادتين لا يخبر عن الواقعية الخارجية ، صحيح على وجه وباطل على وجه.
فهو صحيح إنْ أُريد منه نفي العلم المطلق ، بالخارج المطلق ، أي نفي العلم الّذي لم يتطرق إليه التصرف. ولكنه لا يضر بالمادي المتبني للمنهج الديالكتيكي ، فإنّ المادة ـ خارجية كانت أو دماغية ـ متحولة متغيرة. فكون العلم مغايراً لمعلومه ، بهذا المعنى ، لا يضر.
وباطلٌ إن أُريد منه نفي العلم النسبي ، بل هو ثابت ، ولأجل ذلك يستمد الإنسان منه في حياته ، ويرفع به حاجاته.
الجواب :
أولاً : إنّ الماديّ ـ في الوقت الّذي يحاول فيه أن ينفي العلم المطلق ـ يُثبت علماً مطلقاً ، وهو أنّه ليس لنا علم مطلق بالأشياء والواقعيات الموضوعية ، بل علومنا كلها علوم نسبية. فإنّا نسأله ، هل هذا نفي مطلق أو نفي نسبي؟. فإن اعترف بالأول ، فقد اعترف ـ وهو يحاول نفي العلم المطلق ـ بعلم مطلق ، ولو في مورد واحد. وإن قال : إنّه نسبي ، فلا يضرّ ذلك ، الإلهيين القائلين بإطلاق الإدراكات والعلوم ، إذ نفي إطلاق العلوم والإدراكات ، بالنفي النسبي ، غير القول بأنّ جميع العلوم والإدراكات نسبية قطعاً وعلى وجه الإطلاق ، بل هو اعتراف بكونها علوماً مطلقة.
وثانياً : إنّ الاعتراف بالعلم النسبي ، إقرارٌ بالعلم المطلق أولاً ، قبل توصيفه بالنسبي ثانياً. فيستلزم تعقل النسبية ، تعقّل المطلق من الموجود الذهني والخارجي.
وبعبارة أُخرى : إنّ قول القائل : «كلُّ ما نتصوره ونتعقّله هو علم وتعقّل نسبي» ، اعتراف بأمرين : اعتراف بالموصوف ، وهو أنّه علم. واعتراف بوصفه ، وهو أنّه نسبي. والاعتراف بالوصف غير الاعتراف بالموصوف ، فإنّه في