وما رواه ـ في نفس المصدر ـ إنّ النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ قال :
«لا تَحْلِفُوا بآبائِكُمْ ولا بِأُمّهاتِكُمْ وَلا بالأنْدادِ».
إنّ الحديث الأوّل يدلّ على أنّ رواسب الجاهلية كانت باقية في بعض النفوس ، فكانوا يحلفون بأصنامهم المعبودة من دون الله ، فأمرهم النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بقول : «لا إلهَ إلّا الله» من أجل القضاء على تلك الرواسب الجاهلية.
ويُستفاد ممّا رواه إمام الحنابلة أنّ قوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : «مَنْ حَلَفَ بِغَير الله فَقَدْ أَشْرَكَ» كان حديثاً مستقلاً ، فجاء ابن عمر وأدخل اجتهاده الشخصي ـ في عموم الحلف بالأب وبالمقدّسات ـ في سياق الحديث ، ولم يكن الحلف بالآباء ولا المقدّسات داخلاً فيه ، وإن أدخلهما فيه ابن عمر.
الحديث الّذي رواه إمام الحنابلة هو هذا :
«عن ابن عمر : كان يحلف أبي ، فنهاه النبيّ ، قال : من حلفَ بشيء دون الله فقد أشرك». (١)
فإنّك ترى حديث النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ مستقلاً عن مقالة ابن عمر ، ولم يأت ب «واو» العاطفة أو «فاء» التفريع ، بل قال «فنهاه النبيّ ، قال : ...» ممّا يدلّ على أنّ الحديث صدر في وقت آخر ، بصورة مستقلّة.
أيّها القارئ الكريم : لقد تلخّص من كلّ ما سبق :
١. إنّ الحلف بغير الله لا مانع منه شرعاً ، وقد صدر ذلك من الله تعالى في القرآن الكريم ومن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ والإمام أمير المؤمنين عليّ ـ عليهالسلام ـ والمسلمين.
٢. إنّ الحلف بغير الله لا يصحّ ـ ولا نقول : لا يجوز ـ في القضاء والخصومات ، بل لا بدّ من الحلف بالله جلّ جلاله أو بإحدى صفاته ، وقد ثبت
__________________
(١) مسند أحمد : ٢ / ٣٤.