أضف إلى ذلك انّ التعليل في الحديث آية الشمول ، لأنّ قوله : «فإنّها تذكّركم الآخرة» لا يقبل التخصيص ، وقد قرر في علم الأُصول انّ العلّة تعمم وتخصّص ، وهل يصحّ في منطق العقل الصريح ، اختصاص ما يذكّر الآخرة بالرجال وحرمان النساء منه؟!
٥. حديث أنس بن مالك
أخرج البخاري في صحيحه ، عن أنس بن مالك ، قال : امرَّ النبي بامرأة تبكي عند قبر ، فقال : اتقي الله واصبري ، قالت : إليك عنّي فانّك لم تُصب بمصيبتي ولم تعرفه.
فقيل لها : إنّه النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، فأتت باب النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : لم أعرفك ، فقال : إنّما الصبر عند الصدمة الأُولى. (١)
قال ابن حجر في تفسيره : قوله : الصدمة الأُولى : «وفي رواية الأحكام عند أوّل صدمة» ونحوه لمسلم ، والمعنى إذا وقع الثبات أوّل شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع ، فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر ، وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله ، فاستعير للمصيبة الواردة على القلب. (٢)
وجه الدلالة : انّ النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أوصاها بالتقوى والصبر ، وكأنّها قالت في كلامها شيئاً يخالف التقوى.
قال القرطبي : الظاهر انّه كان في بكائها قدر زائد من نوح أو غيره ، ولهذا
__________________
(١) صحيح البخاري : ٢ / ٧٩ ، باب زيارة القبور
(٢) فتح الباري : ٣ / ١٤٩ ، باب زيارة القبور.