التحقيق ويرفضه التدقيق في فهم الآيات كما ينبغي أن تفهم. فإن قصر فهمك عن هذا فهذا نبيّ الله يعقوب وامرأته وأولاده الأحد عشر قال الله فيهم : (... وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ...) (١) أي ليوسف ـ عليهالسلام ـ. قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها : «أي سجد له أبواه وإخوته الباقون وكانوا أحد عشر رجلاً ، وقد كان هذا سائغاً في شرائعهم إذا سلّموا على الكبير يسجدون له ، ولم يزل هذا جائزاً من لدن آدم إلى شريعة عيسى ـ عليهالسلام ـ ، فحرّم هذا في هذه الملّة ، وجعل السجود مختصّاً بجناب الربّ تعالى. هذا مضمون قول قتادة وغيره. وفي الحديث «أنّ معاذاً قدم الشام فوجدهم يسجدون لأساقفتهم فلمّا رجع سجد لرسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فقال : ما هذا يا معاذ؟ فقال : إنّي رأيتهم يسجدون لأساقفتهم وأنت أحقّ أن يسجد لك ، قال : لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقّه عليها».
وفي حديث آخر : «أنّ سلمان لقي النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في بعض طرق المدينة ـ وكان سلمان حديث عهد بالإسلام ـ فسجد للنبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فقال : لا تسجد لي يا سلمان واسجد للحيّ الّذي لا يموت» والغرض أنّ هذا كان جائزاً في شريعتهم» انتهى. وقال الإمام أبو جعفر في تفسيرها نحواً من هذا.
وقد علمت أنّ ما هو كفر لا يختلف باختلاف الشرائع ولا يأمر الله به في حين من الأحيان ، فلم يكن سجود الملائكة لآدم ولا السجود ليوسف عليهماالسلام مع خلوّ الساجدين من اعتقاد خصيصة من خصائص الربوبيّة ، بمن سجدوا له ، كفراً بل هو من الملائكة عبادة لله الّذي أمرهم سبحانه ، وممّن سجد ليوسف تحية جائزة ، ونسخ الجواز في شريعتنا ، وإنّما حكم العلماء بالكفر على من سجد لشمس أو قمر أو وثن من أجل أنّه أمارة على الكفر الّذي هو إنكار ما علم من الدين
__________________
(١) يوسف : ١٠٠.