(لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً).
إنّ الهدف الّذي دعاهم إلى اتّخاذ مدفنهم مسجداً إنّما كان من أجل أداء الفرائض الدينية فيه. (١)
إنّ هؤلاء كانوا يتفكّرون : إنّ هذا المكان صار ذا كرامة وشرف بسبب احتضانه لأجساد مجموعة من عباد الله الصالحين ، ولذا لا بدّ من التبرّك به باتّخاذه مسجداً للصلاة والعبادة لله سبحانه ، لنيل الثواب الأكثر.
إنّ القرآن الكريم يذكر هذا الموضوع عن أُولئك الموحّدين من دون أيّ ردٍّ أو نقد ، بل بسكوت تامّ ، ولو كان عملهم هذا خلافاً للشريعة أو نوعاً من الشرك لما سكت القرآن عنهم ، بل ردّ عليهم ، كما هو شأنه في المعتقدات الباطلة.
٢. إنّ القرآن الكريم يأمر حُجّاج بيت الله الحرام بأن يقيموا الصلاة عند مقام إبراهيم الخليل ـ عليهالسلام ـ وهي الصخرة الّتي وقف عليها إبراهيم لبناء الكعبة فيقول سبحانه :
(... وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ...). (٢)
إنّ كلّ من يتلو هذه الآية يفهم منها ـ بوضوح ـ أنّ الصلاة هناك إنّما وجبت بسبب مقام النبيّ إبراهيم ، وأنّ مقام إبراهيم هو الّذي منح الفضيلة والكرامة لذلك المكان ، وترى ملايين المسلمين يتّخذون من مقام إبراهيم مكاناً للصلاة والدعاء.
فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى مقام إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ألا ينبغي أن يكون
__________________
(١) يقول الزمخشري ـ في تفسير الكشاف ، في تفسير الآية : يصلّي فيه المسلمون ويتبرّكون بمكانهم. ويقول النيشابوري أيضاً : يصلّي فيه المسلمون ويتبرّكون بمكانهم.
(٢) البقرة : ١٢٥.