ذلك أن لا يقتل قصاصا مع علمه أنه يستحق القتل قصاصا «فيقولون لو أنذرنا منذر لأصلحنا» أي لتداركنا ما فرط منّا من القبيح بالإصلاح «بدليل قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل نزول القرآن (لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) (١) فأخبر تعالى أن إرسال الرسل قطع لمعاذيرهم وإبطال لشبههم وتقرير لحجة العقل وتأكيد لها «ونظيره في الشرعيات» أي نظير الإعذار بإرسال الرسل في العقليات بعد استحقاق العقوبة «عدم جواز قتل المرتد حتى يدعى إلى التوبة» والرجوع إلى الإسلام ، فإن تاب لثلاثة أيّام قبلت منه التوبة وإلّا قتل.
فإن قيل : وهل يجوز انفراد التكليف العقلي عن السمعي فيكون المكلّف مخاطبا بالعقليات دون الشرائع؟
فالجواب : قالت المعتزلة : يصح ذلك فيجوز أن يكون في المكلفين من الأمم الماضية من لم يخاطب بشريعة قط ، وكذا في هذه الأمّة بأن يكمل عقله قبل البلوغ الشرعي.
وقيل : أمّا في هذه الأمة فلا يقع ذلك وإن كان يصح إذ قد جعل الله تعالى البلوغ علامة للتكاليف كلها فيقطع بأن كمال العقل إنما يحصل عنده فقط لا قبله للإجماع ، على أن أولاد عبدة الأوثان حكمهم قبل البلوغ حكم آبائهم مطلقا ، فلو جوزنا إكمال عقولهم قبل البلوغ لجاز كونهم حينئذ مسلمين.
قلت : وهذا غير واضح لأنّ البلوغ الشرعي المراد به تمام العقل والقدرة على الشرعيات ، فمتى قدر على الشرعيات مع تمام عقله صار بالغا مكلفا.
يدل على ذلك : ما رواه في مجموع زيد بن علي عن علي عليهمالسلام : (إذا بلغ الغلام اثنتي عشرة سنة جرى عليه وله فيما بينه وبين الله تعالى فإذا طلعت العانة وجبت عليه الحدود).
__________________
(١) طه (١٣٤).