الإحسان إلى الغير صفة كمال فيدرك العقل حسنه من جهة ذلك لا من جهة تعلّق المدح والمكافأة به (١).
قلنا : يعلم العقلاء بضرورة عقولهم الفرق بين من ذبح صبيّا أو لطمه عدوانا بغير حقّ ، وبين من قتل رجلا أو لطمه قصاصا ، وما ذاك إلّا لعلمهم أن لطم الصبي أو قتله متعلّق للذم والعقاب قطعا وأن هذا التعلّق هو العلة في كون الفعل قبيحا لا غير ، وأن قتل الرجل أو لطمه قصاصا غير متعلّق للذم والعقاب ، وإلّا فما وجه الفرق والفعل واحد ممّا تنفر عنه النفوس والطباع؟
فإن أنكروا هذا الفرق فلا فائدة حينئذ في الكلام معهم لأنه إنكار للضرورة «ولنا حجة» على مخالفينا في الاعتبار الخامس «عدم حكمهم» أي العقلاء «بأيّها» أي الأربعة وهي المدح والثواب والذم والعقاب «في حق من استظل تحت شجرة لا مالك لها أو تناول شربة من ماء غير محاز» أي غير مملوك ، فإن العقلاء يحكمون ببدائه عقولهم أن ذلك ونحوه كالانتفاع بالأحجار والأشجار غير المحازة والتمشي في الأرض : مباح حسن لأنه لا ضرر فيه على أحد. وأما من زعم أن علوم التحسين والتقبيح نظرية وأنكر كونها ضرورية :
فالجواب عليهم : ما ذكره الإمام يحيى عليهالسلام في الشامل أن الفرق بين ما يعدّ من العلوم النظرية والعلوم الضرورية واضح بيّن ، فإن العاقل يعلم الضرورية من غير اعتناء بنظر ولا إعمال فكرة ، وما كان حاصلا بطريق النظر فإنه لا بدّ فيه من العناية باستحضار مقدماته وترتيبها على وجه صحيح وحراستها عن الغلط ، ونحن نعلم بالضرورة من هذه القضايا أنها حاصلة للعقلاء من غير اعتناء ولا نظر.
وأما من زعم أن هذه القضايا يستند العلم بها إلى الشهرة والألف والعادة فنقول : إن أردتم أنها مستفيضة فيما بين العقلاء وأن أحدا لا ينكرها فهذا معنى قولنا إنها ضرورية.
__________________
(١) قيل إن القائل بهذه المقالة هو أسعد بن علي الزنجاني ونصره الزركشي وصحّحه السيد محمد بن إبراهيم الوزير فليحقق تمت.