الأول منهما «بمعنى ملائمته» ١ أي موافقة ذلك الشيء «للطبع» أي طبع الإنسان «كالملاذ» أي كلما يلتذ به العاقل من مطعوم وغيره ، فإن العقل يحكم بحسن الملاذ أي ميل الطباع إليها لا غير «ومنافرته» أي منافرة ذلك الشيء «له» أي للطبع «كالآلام» والصور المستكرهة فإن الطبع ينفر عنها بضرورته ، فيقال : إن الآلام قبيحة أي منافرة للطباع لا غير ، والملاذ حسنة أي ملائمة لها لا غير ، وهذا في الحقيقة ليس منسوبا إلى العقل لأنّ البهائم تدركه «و» الثاني «بمعنى كونه» أي كون ذلك الشيء «صفة كمال كالعلم» ومكارم الأخلاق فإن العقل يدرك كونه حسنا أي صفة كمال فيمن تحلّى به اتّفاقا «وكونه» أي ذلك الشيء «صفته نقص» فيمن اتّسم به «كالجهل» والكذب فإن العقل يدرك كون ذلك قبيحا أي صفة نقص فيمن اتّسم بها اتّفاقا.
ولا يدرك العقل عندهم أن العلم حسن بمعنى أنه يتعلق به مدح وثواب ولا أنّ الجهل قبيح بمعنى أنه يتعلق به ذم وعقاب.
قال «أئمتنا عليهمالسلام وصفوة الشيعة» أي الزيدية من الشيعة «والمعتزلة» جميعا «والحنفية والحنابلة» أي المنتسبون (١) إلى مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل «وبعض الأشعرية» ولعلهم الغزالي وابن الخطيب الرازي والجويني ومن وافقهم حيث قالوا : إن العلم بقبح المقبّحات ، وحسن المحسّنات ووجوب الواجبات ليس حاصلا بفطرة العقل وغريزته ، بل مستند هذه الأحكام والقضايا عندهم الشهرة فيما بين العقلاء ، والمعنى أن هذه القضايا متى تكررت على السمع في مبتدأ الصّبا واتّفق عليها أهل البلدان لإصلاح معايشهم انغرست في أفهامهم هذه القضايا وسارعت النفوس إلى قبولها والتصديق بها لأجل الألف والعادة من الآباء والأكابر في حال الصغر إلى آخر ما ذكروه.
والأشعرية : منسوبون إلى مذهب أبي الحسن الأشعري وهو علي بن أبي بشر بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، كذا ذكره ابن خلكان.
__________________
(١) (ب) المنتسبون بحذف أي.