يستحيل أن يفعل العاقل فعلا ولا يدركه بحسّ ولا غيره وإلّا فأوجدونا ذلك حتى يكون هذا الكون مثله.
وأما قولكم : إنه لا يقدر على صفات الذات إلّا من يقدر على الذات قياسا على الكلام فإنه باطل لأنّ الكلام صفة للمتكلم وليس بموصوف كما زعمتم ، وهو من جملة الأعراض القائمة بالأجسام ، وكونه أمرا أو نهيا أو خبرا لا يخرجه عن كونه صفة ، كلون البياض والسّواد والصفرة ونحوها وكالطول والقصر ، فإن جميع ذلك أعراض من صفات (١) الأجسام وهي معلومة معقولة لا تعقل الأجسام إلّا عليها ، وكذلك الاحتراك والسكون والاجتماع والافتراق صفات للجسم المتحرك والساكن والمجتمع والمفترق وهي معلومة مدركة بالحسّ لا تقوم إلّا بالجسم ولا ينفك الجسم عنها وهي غير الجسم ، والمؤثر فيها الفاعل ، وأما التّحيّز فهو نفس المتحيّز. وكذلك الوجود هو نفس الموجود كما سيجيء إن شاء الله تعالى في فصل الصفات.
وأما قولهم : إن الصفات زائدة على الذات لا هي الموصوف ولا غيره ولا شيء ولا لا شيء فبطلانه لا يخفى على أهل البصائر كما سيجيء إن شاء الله تعالى في فصل الصفات.
قال الإمام أحمد بن سليمان عليهالسلام في كتاب حقائق المعرفة :
وقد أجمع المتكلمون المتقدمون والمتأخرون على أن الحركة والسكون حالتان حادثتان إلّا أصحاب الأسطوان وهم بعض أتباع بلعام فإنهم زعموا أن العالم لم يزل متحركا بحركات لا نهاية لها ، وقالوا : لو ثبت لها أول وآخر لثبت حدوث العالم.
قال : والحجة عليهم أن كونه متحركا بعد أن كان ساكنا يدل على حدوث (٢) الحركة ، وكونه ساكنا بعد أن كان متحركا يدل على حدوث (٣) السكون بالمشاهدة والعلم الضروري انتهى.
__________________
(١) (أ) أعراض صفات للأجسام.
(٢) (أ) حدث.
(٣) (أ) حدث.