الأيام لا ينقضي ما بقلبه من وجد وهيام ، ولكن الأكياس الفطناء من الأنام لم يتعلقوا من هذه الدنيا بحسن زائف ولا بجمال زائل ، بل جردوا من ذلك قلوبهم ورنوا بأبصار بصائرهم إلى الغايات البعيدة ، فحثوا إليها ركائب العزائم وامتطوا صهوات الهمم وجدّوا في بلوغ هاتيك المنازل التي هي المنازل الأولى والأوطان الأصلية التي كانوا يسكنونها وهم في صلب أبيهم آدم ، قبل أن يرتكب الخطيئة ويهبط الى الأرض. وقد رفعت لهم في سيرهم أعلام الوصال فقربت منهم بعيد الآمال ، وشحذت منهم الهمم ، فلم يشعروا في سيرهم بسأم ولا كلال على حين باء الكسلان بالخيبة والحرمان.
* * *
ورأوا على بعد خياما مشرفا |
|
ت مشرقات النور والبرهان |
فتيمموا تلك الخيام فآنسوا |
|
فيهن أقمارا بلا نقصان |
من قاصرات الطرف لا تبغى سوى |
|
محبوبها من سائر الشبان |
قصرت عليه طرفها من حسنه |
|
والطرف في ذا الوجه للنسوان |
أو أنها قصرت عليه طرفه |
|
من حسنها فالطرف للذكران |
والأول المعهود من وضع الخطا |
|
ب فلا تحد عن ظاهر القرآن |
ولربما دلت إشارته على الث |
|
اني فتلك إشارة لمعان |
هذا وليس القاصرات كمن غدت |
|
مقصورة فهما إذا صنفان |
الشرح : وتراءت لهؤلاء الجادين المثمرين على بعد خياما عالية قد أشرق منها النور وسطع الضياء ، فقصدوا نحو تلك الخيام فأبصروا فيهن نساء كأنهن البدور ليلة التمام من كل قاصرة طرفها على محبوبها فلا تتحول عنه إلى غيره من سائر الأنام قال تعالى : (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٥٦] وقال : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) [الصافات : ٤٨ ، ٤٩] وقد اتفق المفسرون كلهم على أن معنى قاصرات الطرف أنهن حبسن أطرافهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم