في دين الله أفواجا ، وأكمل الله لهم الدين وأتم النعمة عليهم.
وتوفى رسول الله صلىاللهعليهوسلم والأمر على ذلك وأهل الإسلام على غاية من الاستقامة في دينهم ، وهم متعاضدون متناصرون ، وكانوا على ذلك في زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
ثم عمل الشيطان مكايده على المسلمين ، وألقى بأسهم بينهم وأفشى فيهم فتنة الشبهات والشهوات ، ولم تزل هاتان الفتنتان تتزايدان شيئا فشيئا حتى استحكمت مكيدة الشيطان وأطاعه أكثر الخلق ، فمنهم من دخل في طاعته في فتنة الشبهات ، ومنهم من دخل في فتنة الشهوات ، ومنهم من جمع بينهما ، وكل ذلك مما أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم بوقوعه : إلى أن يقول :
(فلما دخل أكثر الناس في هاتين الفتنتين أو إحداهما أصبحوا متقاطعين متباغضين بعد أن كانوا اخوانا متحابين متواصلين ، فإن فتنة الشهوات عمت غالب الخلق ففتنوا بالدنيا وزهرتها وصارت غاية قصدهم ، لها يطلبون وبها يرضون ولها يغضبون ولها يوالون وعليها يعادون فقطعوا لذلك أرحامهم وسفكوا دماءهم وارتكبوا معاصي الله بسبب ذلك.
وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلة ، فسببها تفرق أهل القبلة وصاروا شيعا وكفّر بعضهم بعضا ، وأصبحوا أعداء وفرقا وأحزابا ، بعد أن كانوا إخوانا قلوبهم على قلب رجل واحد ، فلم ينج من هذه الفرق كلها إلا الفرقة الواحدة الناجية ، وهم المذكورون في قولهصلىاللهعليهوسلم : «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) وهم في آخر الزمان الغرباء المذكورون في هذه الأحاديث الذين يصلحون إذا فسد الناس ، وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة ، وهم الذين يفرون بدينهم من الفتن ، وهمّ النزاع من القبائل لأنهم قلوا ، فلا يوجد في كل قبيلة منهم إلا الواحد والاثنان ، وقد لا يوجد في بعض القبائل منهم أحد ، كما كان