ان يتنافس فيه ولا فضل سواه هو ذلك التّرافق فمن طلب الفضل فليتولّ عليّا (ع) وليدخل في ولايته بالبيعة له (وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) بمقدار استحقاقكم وسلوككم في طريق ولايته فيتفضّل عليكم بقدر طاعتكم وسلوككم فلا يكتف من بايع عليّا (ع) بالبيعة الولويّة بمحض البيعة وليطلب زيادة الفضل والدّرجة العليا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) بعد ما ذكر المنافقين وحالهم ومآلهم والموافقين وحالهم ومآلهم ، نادى المؤمنين شفقة بهم وحذّرهم عن صدّ المنافقين ايّاهم فأمرهم بأخذ الحذر وهو التّيقّظ والتّهيّؤ للعدوّ وقد يستعمل في السّلاح وهو ما به التّيقّظ والاستعداد ، فان كان المراد بالمؤمنين الّذين بايعوا البيعة العامّة الّتى هي الإسلام فالمراد بالحذر الظّاهر الاسلحة للجهاد الصّورىّ وبالحذر الباطن التّمسّك بقول محمّد (ص) في علىّ (ع) والتّذكّر له مداما كما قال (ص) في خطبته قبل إلقاء ولاية علىّ (ع) عليهم توصية لهم : رحم الله امرء سمع فوعى فوصّاهم بالحفظ وان كان المراد بهم الّذين بايعوا عليّا (ع) وتابوا على يده ودخل بنفخته الايمان في قلوبهم وهو الايمان حقيقة فالمراد بالحذر الصّورىّ الاسلحة أيضا والمراد بالحذر الباطنىّ الصّلوة الّتى علّمها ايّاهم فانّها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وانّها السّلاح الّذى تردع الشّياطين الجنّيّة والانسيّة عن باب الله الّذى هو الولاية (فَانْفِرُوا) الى الجهاد الصّورىّ الجلىّ مع الكفرة أو الصّورىّ الخفىّ مع المنافقين المبطّئين ، أو الى الجهاد الباطنىّ مع أعدائكم الباطنيّة المبطئين لكم عن سلوككم ورجوعكم الى باب القلب والحضور عند علىّ (ع) في بيت القلب (ثُباتٍ) جمع الثّبة بضمّ الثّاء بمعنى الجماعة والمعنى انفروا متدرّجين كما هو شأن الحازمين في الغزو الظّاهرىّ وشأن السّالكين في الغزو الباطنىّ (أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) مجتمعين كما هو شأن المتجلّدين المتجرّئين في الغزو الصّورىّ وشأن المجذوبين في النّفور الباطنىّ ولمّا كان المناسب بيان حالهم من السّلوك والتّرغيب فيه والتّبطئة منه قال تعالى في ذلك : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) عطفا على محذوف هو قسيمه اى انّ منكم لمن يسرع في النّفر أو يبطئ فيقتل أو يقتل واكتفى عنه بقوله : ومن يقاتل في سبيل الله وفصّل أحوال المبطّئين (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) ظاهره كالقتل والهزيمة والجراحة أو باطنه كالرّياضات والابتلاءات الّتى تكون في الطّريق (قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) فيرى السّلامة في دار البلاء عن الابتلاء في طريق دار الرّاحة نعمة والحال انّها نقمة إذا لم تكن في طريق الآخرة ، أو مع الانصراف عن الولاية ، فعن الصّادق (ع) لو قال هذه الكلمة أهل الشّرق والغرب لكانوا بها خارجين من الايمان ولكنّ الله قد سمّاهم مؤمنين بإقرارهم ، وفي رواية : وليسوا بمؤمنين ولا كرامة ، والسّرّ فيه ، انّه ما لم يختر الدّنيا وهوى النّفس لا يرى السّلامة فيها نعمة ، ومن اختارها لم يكن له حظّ من الايمان ، وباسم الايمان لا يحصل له كرامة بل الكرامة بالايمان الّذى هو قبول الدّعوة الباطنة والبيعة مع صاحبها بشرائطها وبكسب الخير فيه الّذى يؤدّى الى إيثار الآخرة على الدّنيا (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ) ظاهرا أو باطنا ولمّا كان القضيّة الاولى كأنّها مع من هو خالي الّذهن عن الحكم وسؤاله وإنكاره حسن خلوّها عن التّأكيد وهذه لمّا كانت بعد الاولى وصار المخاطب بذكر قسيمها مستعدّا للسّؤال عن القسيم الآخر اكّدها باللّام الموطّئة والقسم ولام القسم ونون التّأكيد استحسانا (لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) يعنى انّ الوصلة الايمانية تقتضي السّرور بتنعّمكم والحزن بمصيبتكم فالسّرور حين أصابتكم بسلامته والتّحسّر حين التّفضّل عليكم بعدم وصول الفضل اليه دليل على