لبابة حين أفاق : يا رسول الله ، إنّي أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذّنب ، وأنتقل إليك فأساكنك ، وإنّي أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله. فقال : «يجزئ عنك [١١٨ أ] الثّلث». فهجر دار قومه وتصدّق بثلث ماله ، ثم تاب فلم ير منه بعد ذلك في الإسلام إلّا خير ، حتى فارق الدنيا. مرسل.
وقال ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) قال : هو أبو لبابة ، إذ قال لقريظة ما قال ، وأشار إلى حلقه بأنّ محمدا يذبحكم إن نزلتم على حكمه. وزعم محمد بن إسحاق أنّ ارتباطه كان حينئذ. ولعلّه ارتبط مرتين.
وقال عبد الله بن صالح : حدّثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) قال : كانوا عشرة رهط تخلّوا عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم. في غزوة تبوك. فلما حضر رجوع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد ، وكان ممرّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم عليهم. فلما رآهم قال : من هؤلاء؟ قالوا : هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلّفوا عنك يا رسول الله حتى تطلقهم وتعذرهم. قال : «وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم ، حتّى يكون الله هو الّذي يطلقهم ، رغبوا عنّي وتخلّفوا عن الغزو مع المسلمين». فلما بلغهم ذلك قالوا : ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الّذي يطلقنا. فأنزلت (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (١) «عسى» من الله واجب (٢).
فلما نزلت ، أرسل إليهم فأطلقهم وعذرهم. ونزلت ، إذ بذلوا أموالهم : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (٣). وروى نحوه عطية العوفيّ ، عن ابن عباس (٤).
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية ١٠٢.
(٢) واجب منه تعالى ، لا عليه سبحانه.
(٣) سورة التوبة ، الآية ١٠٣.
(٤) السيرة لابن كثير ٤ / ٤٨ ، ٤٩.