كتابا. وفيه كما ترى أشياء عجيبة تفرّد بها ابن إسحاق دون معمر وصالح.
وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، حدّثني الزّهريّ ، حدّثني أسقف من النّصارى قد أدرك ذلك الزمان ، قال : لما قدم دحية بن خليفة على هرقل بالكتاب ، وفيه : «بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتّبع الهدى. أمّا بعد ، فأسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين ، فإن أبيت فإنّ إثم الأكّارين (١) عليك».
فلما قرأه وضعه بين فخذه وخاصرته ، ثم كتب إلى رجل من أهل رومية (٢) ، كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ ، يخبره عمّا جاءه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكتب إليه أنّه النّبيّ الّذي ينتظر لا شكّ فيه فاتّبعه. فأمر بعظماء الروم فجمعوا له في دسكرة ملكه ، ثم أمر بها فأشرجت (٣) عليهم ، واطّلع عليهم من علّيّة له ، وهو منهم خائف فقال : يا معشر الروم إنّه قد جاءني كتاب أحمد ، وإنّه والله للنّبيّ الّذي كنّا ننتظر ونجد ذكره في كتابنا ، نعرفه بعلاماته وزمانه. فأسلموا واتّبعوه تسلم لكم دنياكم وآخرتكم. فنخروا نخرة رجل واحد ، وابتدروا أبواب الدّسكرة ، فوجدوها مغلقة عليهم. فخافهم ، فقال : ردّوهم عليّ. فكرّوهم عليه ، فقال : إنّما قلت لكم هذه المقالة أغمزكم بها لأنظر كيف صلابتكم في دينكم ، فقد رأيت منكم ما سرّني. فوقعوا له سجّدا ، ثم
__________________
(١) الأكارون : جمع أكار ، وهو الريفي الّذي يحرث الأرض ويزرعها. وفي رواية اليعقوبي : فإنّ عليك إثم الريفيين (انظر الوثائق السياسية ٨٢).
(٢) رومية : بتخفيف الياء : مدينة رياسة الروم وعلمهم ، واسمها بالرومية رومانس وتقع شمال وغربي القسطنطينية بينهما مسيرة خمسين يوما أو أكثر. (معجم البلدان ٢ / ١٠٠) وهي مدينة روما المعروفة.
(٣) في هامش ح : أغلقت.