وقال معمر ، عن الزّهري ، عن عروة ، عن المسور ، ومروان بن الحكم ، يصدّق كلّ واحد منهما حديث صاحبه ، قالا : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم زمن الحديبيّة في بضع عشرة مائة من أصحابه. حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلّد رسول الله صلىاللهعليهوسلم الهدي وأشعره ، وأحرم بالعمرة. وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش. وسار حتى إذا كان بغدير الأشطاط (١) قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال : إنّي تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ قد جمعوا لك جموعا ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت. فقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : أشيروا عليّ. أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم؟ فإن قعدوا قعدوا موتورين وإن لجّوا تكن عنقا (٢) قطعها [٥٨ أ] الله. أم ترون أن نؤمّ البيت فمن صدّنا عنه قاتلناه؟ قال : أبو بكر : الله ورسوله أعلم ، إنّما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد ، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه. قال : فروحوا إذا (٣).
قال الزّهري في الحديث : فراحوا ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين. فو الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش (٤) ، فانطلق يركض نذيرا (٥) لقريش. وسار النّبيّ صلىاللهعليهوسلم حتى إذا كان بالثّنيّة (٦) التي يهبط عليهم منها بركت راحلته فقال النّاس : حل حل ، فألحت ، فقالوا : خلأت
__________________
(١) غدير الأشطاط على ثلاثة أميال من عسفان مما يلي مكة (وفاء ألوفا ٢ / ٣٥٢).
(٢) العنق : الجماعة من النّاس ، أو الكبراء والاشراف منهم. وعبارة البخاري ٥ / ٦٧ : «فإن يأتونا كان الله عزوجل قد قطع عينا من المشركين وإلّا تركناهم محروبين». والعين الجاسوس ، قال في التاج : أي كفى الله منهم من كان يرصدنا ويتجسّس أخبارنا.
(٣) انظر صحيح البخاري ٥ / ٦٧ كتاب المغازي باب غزوة الحديبيّة ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٢٠.
(٤) في الأصل : حتى إذا هو بصره الجيش. وأثبتنا نصّ البخاري. وقترة الجيش : غباره.
(٥) في الأصل : تدبرا ، تصحيف.
(٦) هي ثنيّة المرار كما في سيرة ابن هشام ٤ / ٢٥.