لأن قولنا : «السواد خرج عن كونه سوادا». و «بطل كونه سوادا» قضية موضوعها «السواد» ومحمولها «خرج عن كونه سوادا» أو «بطل كونه سوادا» ومن شرط صحة القضية امكان اجتماع موضوعها ومحمولها معا. ومعلوم أن اجتماع النقيضين محال فثبت : أنه يستحيل قولنا : السواد خرج عن كونه سوادا ، وبطل كونه سوادا. واذا كان الأمر كذلك ، ثبت : أنه يمتنع اسناد تقرر الماهية وتكونها الى ايجاد موجد ، وايقاع فاعل.
الحجة الخامسة : قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ : إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) (٧) الآية. سمى الأمر الّذي سيفعله غدا فى الحال باسم الشيء. وذلك يقتضي أن يكون المعدوم شيئا.
والجواب عن الحجة الأولى : أن نقول : انا نجد من أنفسنا شعورا وادراكا فى صور كثيرة ، مع حصول الاتفاق بيننا وبينكم على أنها ليست بماهيات ولا حقائق ، بل هى نفى محض ، وعدم صرف :
الصورة الأولى : العلم بالممتنعات. وذلك لأنا نحكم بأن شريك الله ممتنع ونقيم الدلائل على ذلك. ولو لا أنا تصورنا شريك الإله. والا لاستحال منا أن نحكم عليه بالامتناع. لأن التصديق بدون التصور محال. ولأنا نقول : شريك الاله محال. والجمع بين الوجود والعدم محال ، وحصول الجسم الواحد فى أن واحد فى مكانين محال ، ونميز بين كل واحد من هذه التصديقات ، وبين الآخر. والشعور الذهنى والامتياز العقلى حاصل فى هذه الصور ، مع حصول الاتفاق بين جميع العلماء (٨) على أن هذه الممتنعات ليست ذوات ولا حقائق ولا ماهيات.
__________________
(٧) الكهف : ٢٣.
(٨) العقلاء : ب.