لكان الممتنع الموصوف بهذا الامتناع موجودا ، ضرورة الوجود لا يمكن أن يكون امتناع قيام الصفة الموجودة بالنفى المحض والعدم الصرف ، وحينئذ يلزم أن يكون ممتنع الوجود موجودا. وهو محال. فثبت أن امتناع الوجود ليس صفة موجودة ، فوجب أن يكون تصور الوجود صفة موجودة ضرورة أنه لا بد فى أحد النقيضين من أن يكون أمرا ثبوتيا.
اذا ثبت هذا ، فنقول : لا شك أن كل محدث فانه قبل حدوثه ممكن الحدوث لذاته. اذ لو لم يكن ممكنا لذاته ، لكان اما واجبا لذاته ، فيكون موجودا قبل أن كان موجودا. وهو محال. أو ممتنعا لذاته. فيلزم انقلاب الماهية من الامتناع الذاتى الى الا مكان الذاتى. وهما محالان. فثبت : أن كل محدث فهو قبل حدوثه ممكن لذاته ، وثبت أن الامكان صفة ثابتة ، وثبت أن الصفة الثابتة تستدعى موصوفا ثابتا. فاذن لا بد وأن تكون الماهية متقررة قبل حدوثها ، حتى تكون موصوفة بهذا الامكان. وذلك يوجب القول بكون المعدوم شيئا.
لا يقال : لم لا يجوز أن يكون الا مكان عبارة عن كون القادر متمكنا من ايجاده؟ لأنا نقول : القادر متمكن من ايجاد المعدوم الممكن ، وغير متمكن من ايجاد المعدوم الممتنع ، فلو لا امتياز الممكن عن الممتنع فى نفسه بأمر عائد إليه ، والا لما كان الأمر كذلك.
الحجة الرابعة : الماهيات لو كانت متجددة ، لكان تجددها باحداث محدث ، وايقاع قادر ، وهذا محال فذلك مثله. بيان الملازمة. أن كل ما حدث بعد أن لم يكن ، فلا بد له من مكون ومحقق. وبيان أنه يمتنع أن يكون تحقق تلك الماهيات وتقررها باحداث محدث. وذلك لأن كل ما كان تحققه بسبب غير. لزم من فرض عدم ذلك الغير ، عدم ذلك الأثر. فلو كان كون الجوهر جوهرا ، وكون السواد سوادا ، لأجل سبب منفصل ، لزم عند فرض عدم ذلك السبب المنفصل ، أن يخرج الجوهر عن كونه جوهرا ، والسواد عن كونه سوادا. وذلك محال.