فثبت بما ذكرنا : أن من نفى الرؤية بالوجه الّذي ذكرناه ، لا بد أن يعول فى نفيها على الدليل ، لا على ادعاء الضرورة.
وانما قدمنا هذه المقدمة ، لأن هؤلاء المعتزلة فى أول الأمر يلتزمون الاستدلال ، وفى آخر الأمر عند العجز عن تمشية الدليل ، كأنهم يسرعون فى ادعاء الضرورة. فقدمنا هذه المقدمة ، صونا للكلام عن هذا الخبط.
الفصل الثانى
فى
حكاية ما قيل فى هذه المسألة من الدلائل
العقلية ، وذكر المباحث فيها
اعلم : أن جمهور الأصحاب عولوا فى اثبات أنه تعالى يصح أن يرى على دليل الوجود. وأما نحن فعاجزون عن تمشيه ، ونحن نذكر ذلك الدليل ، ثم نوجه عليه ما عندنا من الاعتراضات.
قالوا : ثبت أن الجوهر يصح أن يرى ، واللون يصح أن يرى ، والجواهر والألوان تشتركان فى صحة الرؤية. وهذه الصحة حكم حادث ، فلا بد لها من علة. والحكم المشترك يجب تعليله بعلة مشتركة ، لامتناع تعليل الأحكام المتساوية بالعلل المختلفة. والمشترك بين الجواهر والأعراض ، اما الحدوث واما الوجود. لا جائز أن تكون علة هذه الصحة ، هى الحدوث. لأن الحدوث عبارة عن وجود حاصل ، وعدم سابق. والعدم لا يجوز أن يكون جزءا من المقتضى. واذا سقط العدم عن درجة الاعتبار ، لم يبق الا الوجود ، والوجود مشترك فيه بين الشاهد والغائب ، فاذن وجود الله تعالى علة صالحة لصحة رؤيته. واذا حصلت العلة ، حصل الحكم لا محالة. فوجب القول بصحة رؤيته. هذا حاصل الكلام فى هذا الباب.