الحجة الثانية : للمعتزلة على أن المعدوم شيء : وهى أنه لا نزاع فى وجود موجودات ، ممكنة الوجود لذواتها. ولا معنى للممكن الا الّذي يصح عليه الوجود والعدم. وكل ما كان كذلك ، كانت ماهيته ممكنة التقرر ، مع الوجود ، ومع العدم تارة أخرى. واذا عقل تقرر ماهيته مع العدم ، ثبت أن المعدوم شيء.
لا يقال : المراد من قولنا : انه يمكن أن يكون معدوما ، هو أنه لا يمتنع بقاء ماهيته متقررة متحققة ، ولا يمتنع أيضا بطلان تلك الماهية وخروجها عن كونها ماهية وحقيقة. فهذا هو المراد من الامكان. ومعلوم أن هذا القدر لا يدل على أن المعدوم شيء. لأنا نقول : اذا قلنا : هذه الماهية يمكن بطلانها وزوالها ، فلا شك أن هذه قضية موضوعها : قولنا هذه الماهية. ومحمولها : قولنا يمكن بطلانها وزوالها. ولا شك أن ماهية القضية مركبة من الموضوع والمحمول والنسبة الخاصة. ولا شك أن المركب لا يوجد الا عند وجود جميع مفرداته. فاذن هذه القضية لا توجد ولا تتقرر الا اذا حصل موضوعها مقارنا لمحمولها. فاذا قلنا : الموضوع نفس تلك الماهية. وجعلنا المحمول امكان بطلان الماهية ، كان معنى هذا الكلام : أن هذه الماهية يمكن تقررها حال بطلانها. ومعلوم أن ذلك محال. فثبت : أن كون الممكن ممكنا يستحيل أن يكون مفسرا بهذا المعنى ، بل لا بد وأن يكون مفسرا بأنه يجوز كون الماهية موصوفة بالوجود ، ويجوز كونها خالية عن الوجود. ومهما كان الأمر كذلك ، ثبت أن المعدوم شيء.
الحجة الثالثة : ان كل موجود. فهو اما أن يكون ممتنع الوجود لذاته ، واما أن يكون متصور الوجود لذاته. سواء كان ذلك الّذي هو متصور الوجود ، واجب الوجود أو غير واجب الوجود. فاذن كونه ممتنع الوجود وكونه متصور الوجود ، أمران متقابلان لا واسطة بينهما. فنقول : امتناع صفة موجودة. اذ لو كان الامتناع صفة موجوده