من هذين القسمين متميز عن الآخر فى نفسه وحقيقته. ولذلك كان القادر المختار لا يمكنه ايجاد الممتنعات ويمكنه ايجاد الممكنات. فلولا امتياز الممكن عن الممتنع فى نفسه ، والا لما صح ذلك.
لا يقال : هذه الأمور ، وان كانت معدومة فى الخارج ، الا أنها موجودة فى الذهن ، فلهذا صح وقوع الامتياز فيها. لأنا نقول : انكم اما أن تقولوا هذه المعلومات (٦) موجودة فى الذهن ، أو تقولوا : العلم بها موجود فى الذهن. والأول باطل. لأنا انما نعلم الشمس والقمر. فلو كانت هذه المعلومات موجودة فى الذهن ، لزم فيمن تصور شموسا كثيرة ، وأقمارا كثيرة ، وبحرا من زئبق ، وجبلا من زبرجد : أن توجد فى ذهنه هذه الأشياء. والقول بفساده معلوم بالضرورة. وأما الثانى وهو أن الحاضر فى الذهن هو العلم بهذه الأشياء. فهذا مسلم. الا أن بحثنا عن المعلوم ، لا عن العلم. فهذه المعلومات لما لم تكن موجودة فى الذهن ، علمنا أنها فى أنفسها وحقائقها متميزة ، سواء وجدت فى الذهن أو لم توجد. وذلك هو المطلوب.
فثبت بهذه البراهين الأربعة : تميز بعض المعدومات ، عن البعض ، حال كونها معدومة.
واذا ثبت هذا فنقول : امتياز أحد الأمرين عن الآخر ، يتوقف على كون كل واحد منهما فى نفسه حقيقة معينة ، وماهية معينة. فان تميز البعض عن البعض : حكم من أحكام تلك الحقائق ، وصفة من أوصافها. وثبوت الصفة والحكم بدون تقرير الموصوف : محال. فثبت : أن المعدومات متميزة متقررة ، وثبت أن المتميز لا يتحقق الا عند كون الحقائق والماهيات متقررة. وهذا يوجب القطع بكون المعدومات ذوات وماهيات وحقائق. وذلك هو المطلوب.
__________________
(٦) المعلومات : ب.