العدم بعد خروج بعضها الى الوجود. والا لكان الشيء مع غيره ، كهو لا مع غيره. وذلك محال. واذا كان كذلك ، كانت الذوات التى بقيت الآن فى العدم ، أقل من مجموع الذوات التى كانت معدومة عند ما لم يخرج شيء منها الى الوجود. وما كان أقل من غيره فهو متناه. فالذوات التى بقيت الآن فى العدم متناهية ، والتى خرج منها الى الوجود متناهية. ومجموع المتناهى مع المتناهى يكون متناهيا. فثبت : أن القول بكون الذوات غير متناهية محال.
البرهان الثالث : هذه الماهيات من حيث انها هى : ممكنة لذواتها. وكل ممكن محدث فهذه الماهيات من حيث هى هى ، محدثة فيلزم أن تكون هذه الماهيات مسبوقة بالنفى المحض والعدم الصرف. وهو المطلوب.
وانما قلنا : بأن هذه الماهيات ممكنة لذواتها ، وذلك لأنها لو كانت واجبة التقرر لذواتها فى الخارج ، لكانت واجبة التقرر فى الخارج ممتنعة الزوال ، ولا معنى لواجب الوجود الا ذلك. وحينئذ يكون واجب الوجود أكثر من واحد. وذلك محال. واذا ثبت أنها فى كونها متقررة فى الأعيان ، ممكنة ، وثبت أن كل ممكن محدث ، ثبت : أنها من حيث انها ماهيات: محدثة. وذلك يبطل القول بأن المعدوم شيء. وتمام تقرير هذا البرهان قد تقدم فى مسألة حدوث الأجسام.
البرهان الرابع : قوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٥) وجه الاستدلال بالآية: ان اسم الشيء يتناول الماهيات ، فوجب أن يكون الله تعالى قادرا على تلك الماهيات. وانما يكون قادرا عليها لو كان لقدرته صلاحية ، أن تؤثر فى تلك الماهيات تقريرا وابطالا. ومتى كان
__________________
(٥) البقرة ٢٨٤.