فان قيل : هذه الحجة منقوضة على قول الفلاسفة. فان عندهم وجود البارى سبحانه نفس حقيقته ، مع أنا نعقل وجوده ولا نعقل ماهيته. وأيضا : فانا نتصور أن الوجود ما هو؟ ثم نصدق بأن ذلك المفهوم حاصل وكائن وواقع. والتصور غير التصديق. فيلزم أن يكون تصديقنا بأن الوجود واقع وحاصل ، دالا على حصول وجود الوجود. ويلزم منه التسلسل.
وأيضا : فانا قد نعقل ذاتين مع الذهول عن كون أحدهما لازما للآخر ، أو ملزوما له ، أو كون أحدهما مؤثرا فى الآخر ، أو اثر له ، أو كون أحدهما حالا فى الآخر ، أو محلا له. فيلزم أن يكون كون الشيء لازما للآخر ، وملزوما له ، ومؤثرا فيه وأثرا له ، وحالا فيه ومحلا له. زائدا على الذات. وذلك محال لافضاء ذلك الى التسلسل. وأيضا : فهب أن ما ذكرتم يدل على أن الوجود الخارجى زائد على الماهية. ولكنه لا يفيد أن الوجود الذهنى زائد على الماهية.
والجواب : انه اذا صدق على أحد الأمرين كونه معلوما ، وعلى الآخر أنه غير معلوم : فلو لم يثبت التغير بينهما ، لكان قد صدق على الأمر الواحد ، أنه معلوم وأنه غير معلوم. فيلزم اجتماع النفى والاثبات. وانه محال فى بداهة العقول. واذا كانت هذه المقدمة من أقوى البديهيات ، كان ايراد النقض عليها تشكيكا فى البديهيات. فلا يستحق الجواب.
وأيضا : فعندنا أن وجود الله زائد على ماهيته (١) وأما تصديقنا بأن الوجود قد وقع ، فليس المراد منه أن الوجود حصل له وجود آخر ، بل المراد منه : أن الوجود هل حصل للماهية أم لا؟ وهذا عين الدليل الّذي تمسكنا به وأما حديث اللازمية والملزومية ، وأمثالها. فهى
__________________
(١) مقترنا : أ.