الصارف معارضا بداعية الشهوة والحاجة ، بقى الصارف خاليا عن معارضة الداعى ، فوجب(٣) أن يمتنع الفعل.
الطريق الثانى : هو أنا نثبت هذه المقدمة فى الشاهد ثم نقيس الغائب على الشاهد. أما اثباتها فى الشاهد. فلأنا اذا قلنا لانسان كامل العقل : ان صدقت أعطيناك دينارا ، وان كذبت أعطيناك دينارا. وفرضنا حصول الاستواء بين الصدق والكذب ، فى جميع منافع الدنيا والآخرة ، وفى جميع مضارهما من المدح والذم والثواب والعقاب ، وسهولة التلفظ بتلك اللفظة وصعوبته. فان فى هذه الصورة نعلم بالضرورة : أنه يرجح الصدق على الكذب. وذلك يدل على أن جهة الحسن جهة دعاء وجهة القبح جهة صرف.
واذا ثبت هذا فى الشاهد ، فنقيس عليه الغائب. ونقول : هذا الترجيح لا بدّ فيه من علة وتلك العلة ليست الا علمه بأن هذا حسن وذاك قبيح. لأنا كلما علمناه قبيحا ، علمنا هذه المرجوحية. وكلما علمناه حسنا علمنا هذه الراجحية. فلما دار العلم بأحدهما مع العلم بالآخر وجودا وعدما ، علمنا : أن العلة فى هذا البعث وفى هذا المنع ، ليس الا العلم بهذه الجهة. واذا كان العلم حاصلا فى حق الله تعالى ، وجب أن يترتب عليه هذا البعث وهذا المنع.
* * *
هذا غاية تقرير كلام المعتزلة فى هذه المسألة.
والجواب : أما المقدمة الأولى من هذا الدليل فهى مبنية على أن الحسن والقبح ، انما يثبتان لوجوه عائدة الى الفعل. وقد أبطلنا هذه القاعدة. سلمنا : أنه تعالى عالم بقبح القبيح وعالم بكونه غنيا ، فلم قلتم : ان كل من كان كذلك ، فانه لا يفعل القبيح؟ وتقريره. انكم اما أن تقولوا : ان كل من كان كذلك ، فانه يمتنع مع هذه الحالة أن يفعل القبيح ، أو لا تدعو الامتناع العقلى. فان ادعيتم الامتناع العقلى ، لم يكن الله تعالى قادرا مختارا ، لأن الاستغناء والعلم بذلك
__________________
(٣) فوجب الترك : ب