الاستغناء من لوازم ذاته ، وترك القبيح من لوازم هذا الاستغناء. وهذا العلم ولازم اللازم : لازم. فترك القبيح من لوازم الذات المخصوصة. واذا كان كذلك ، كان ترك القبيح أمرا واجبا بالذات ، ممتنع العدم.
واذا كان ترك القبيح أمرا واجبا بالذات ، كان ايصال الثواب الى المستحق أمرا واجبا ، وجوبا بالذات. لأن تركه لما كان قبيحا ممتنعا بالذات ، كان فعله فعلا واجبا بالذات. فحينئذ يلزم أن تكون ذاته تعالى موجبة لحصول الثواب ووصوله الى المستحق ، وأن لا يكون قادرا على الترك أصلا. فاثبات الحكمة على هذا الوجه ، يقدح فى كونه قادرا ، الا أن الحكمة مفرعة على كونه قادرا. والفرع اذا استلزم فساد الأصل كان باطلا ، فلقول بالحكمة يجب أن يكون باطلا على هذا القول.
وأيضا : اذا كان الفعل موقوفا على الداعى ، لزم الجبر ، واذا لزم الجبر كان الله تعالى فاعلا لجميع أفعال العباد ، بواسطة خلق القدرة والداعى الموجب لها. واذا كان كذلك ، امتنع أن يقال : انه تعالى لا يفعل هذه الأفعال.
وأما القسم الثانى : وهو أن تقولوا : ان كونه تعالى غنيا ، مع كونه عالما بكونه غنيا ، لا ينافى فعل القبيح. ولم يكن بين حصول هذا الفعل وحصول ذلك الوصف منافاة ولا معاندة أصلا ، فحينئذ يتعذر الاستدلال بذلك الوصف على أنه تعالى لا يفعل القبيح ، لأن كل ما لم يكن فيه امتناع ، لم يلزم من فرض وجوده محال ولا فساد.
وهذا سؤال صعب على ما ذكروه. والله أعلم بالصواب (٤).
* * *
(تم الجزء الأول. ويليه الجزء الثانى وأوله المسألة السابعة والعشرون فى اثبات الجوهر الفرد).
__________________
(٤) فى هامش ب : جرت العادة أن يجعل هذا آخر الجزء الأول من الكتاب.