وان لم يفتقر البتة الى رعاية غرض آخر ، فحينئذ تكون موجدية الله تعالى وخالقيته ، غنية عن التعليل بالأغراض والمصالح. وهذا هو المطلوب.
واعلم : أن هذه الحجة التى ذكرناها فى اختصاص حدوث العالم بذلك الوقت المعين ، عائدة فى اختصاص كل واحد من الحوادث لوقته المعين.
الحجة الخامسة : قد بينا فى مسألة خلق الأفعال : أنه لا موجد الا الله تعالى ، واذا كان كذلك ، كان الخير والشر والكفر والايمان حاصلا بايجاده وتخليقه وتكوينه. واذا كان الأمر كذلك ، امتنع توقف كونه تعالى خالقا وموجدا على رعاية المصالح والأغراض.
واحتج الخصم على مذهبه : بأنه تعالى عالم بقبح القبائح ، وعالم بكونه غنيا عنه. وكل من كان كذلك ، امتنع أن يكون فاعلا للقبيح.
أما المقدمة الأولى ـ وهى قولنا : انه عالم بقبح القبائح ، وعالم بكونه غنيا عنه ـ فهذه المقدمة مبنية على ثلاث مقدمات :
احداها : أن القبائح انما تقبح لوجوه عائدة إليها.
وثانيها : انه تعالى منزه عن جميع الحاجات.
وثالثها : انه تعالى عالم بجميع المعلومات واذا ثبتت هذه المقدمات الثلاث ، ظهر أنه تعالى غنى عن فعل كل القبائح ، وأنه تعالى عالم بكونه غنيا عنها.
وأما المقدمة الثانية : وهى أن كل من كان غنيا عن القبائح ، وكان عالما بكونه غنيا عنها ، فانه يستحيل أن يفعل القبيح ـ فقد ذكروا فى تقرير هذا طريقين :
الأول : انا ببداهة العقل نعلم أن جهة القبح جهة صرف عن الفعل ، لا جهة دعاء إليه. فاذا حصل العلم بكونه قبيحا ولم يصر هذا