كانت محدثة ، افتقر كونه تعالى موجدا لتلك العلة ، الى علة أخرى. فيلزم التسلسل. وهو محال. وهذا هو المراد من قول مشايخ الأصول «علة كل شيء صنعه (٢) ولا علة لصنعه».
الحجة الثالثة : ان جميع الأغراض ، يرجع حاصلها الى شيئين : تحصيل اللذة والسرور ، ودفع الألم والحزن. والله تعالى قادر على تحصيل هذين المطلوبين ابتداء من غير شيء من الوسائط. وكل من كان قادرا على تحصيل المطلوب ابتداء بدون الواسطة ، ولم يصر تحصيل ذلك المطلوب بتلك الوسائط أسهل عليه من تحصيله ابتداء : كان التوسل الى تحصيل ذلك المطلوب بتلك الواسطة عبثا. وذلك على الله تعالى محال. فثبت : أنه لا يمكن تعليل أفعاله وأحكامه بشيء من العلل والأغراض.
الحجة الرابعة : انه لو وجب أن يكون خلقه وحكمه معللا بغرض ، لكان خلق الله تعالى العالم فى وقت معين دون ما قبله وما بعده ، معللا برعاية مصلحة وغرض. ثم ذلك الغرض ـ وتلك المصلحة ـ اما أن يقال : انه كان حاصلا قبل ذلك الوقت ، وأ ما كان حاصلا قبله. فان كان حاصلا قبله ، كان ما لأجله أوجد الله تعالى العالم فى ذلك الوقت ، حاصلا قبل أن أوجده. فيلزم أن يقال : انه كان موجدا له قبل أن كان موجدا. وذلك محال. وأما ان قلنا بأن ذلك الغرض وتلك المصلحة ما كان حاصلا قبل ذلك الوقت ، وانما حدث فى ذلك الوقت. فنقول : حصول ذلك الغرض فى ذلك الوقت ، اما أن يفتقر الى المحدث أولا يفتقر. فان لم يفتقر فقد حدث الشيء ، لا عن موجد ومحدث. وهو محال. وان افتقر الى المحدث. فان افتقر تخصيص احداث ذلك الغرض بذلك الوقت الى غرض آخر ، عاد التقسيم الأول فيه. ولزم التسلسل.
__________________
(٢) صفته ولا علة لصفته : ب