وتقريرها : أن نقول : النطفة جسم متشابه الأجزاء فى الصورة والشكل. فاما أن يقال : انها متشابهة الأجزاء فى الحقيقة ، أو ليست كذلك. وذلك لأن الأطباء يقولون : ان عند استيلاء حرارة الشهوة على البدن يحصل ذوبان لجملة الأعضاء ، فبعضها ينفصل من ذوبان العظم ، وبعضها من ذوبان اللحم ، وبعضها من ذوبان العين ، وبعضها من ذوبان القلب. فهو ان كان متشابه الحقيقة والصورة (٢٠) فى الحس ، الا أنه مختلف الطبيعة فى الحقيقة. فالعظم يتولد مما ذاب من العظم ، والعصب يتولد مما ذاب من العصب. وعلى هذا القياس جميع الأعضاء.
اذا عرفت هذا فنقول : ان كانت النطفة جسما متشابه الأجزاء فى الحقيقة. فنقول : لا شك أن تأثير حرارة الرخوى المزاج ، وتأثير قوى الكواكب ، بالنسبة إليه على السوية. ومهما كان تأثير المؤثر متشابها ، وتأثير أجزاء القابل فى الماهية والطبيعة متشابهة ، وجب أن يكون الأثر متشابها. ولهذا السبب فان الفلاسفة قالوا : شكل البسيط هو الكرة. قالوا : لأن قوة الطبيعة فى البسيط واحدة ، والقابل متشابه. فوجب أن يكون الشكل شكلا متشابها. وهو الكرة. ولما دل الحس على كون البدن مركبا من أعضاء مختلفة فى الكمية والكيفية والشكل والطبيعة والخاصية ، لزم القطع بأن المؤثر فى تخليقها ليس هو الطبيعة ، ولا قوى الكواكب ، بل صانع حكيم مدبر بالقدرة والاختيار.
أما على قول من يقول : النطفة وان كان جسما. متشابه الاجزاء فى الصورة ، لكنها مختلفة الأجزاء فى الطبيعة.
فنقول : ان كل مركب لا بد وأن يكون مركبا من أجزاء ، كل
__________________
(٢٠) متشابه الصور والصفة : أ.