أن الحدوث علة للافتقار الى المحدث. فالعالم لما كان محدثا ، وجب افتقاره الى الفاعل وعلى تمسكهم بهذا القياس سؤالات صعبة :
أولها : انا لا نسلم أن الواحد منا محدث لافعال نفسه. وسيأتى تقريره ان شاء الله تعالى فى مسألة خلق الأفعال. ولم لا يجوز أن يقال : ان أفعالنا تحدث عند قصودنا ودواعينا ، لا بقدرتنا وداعيتنا ، بل على سبيل الاتفاق من غير مؤثر؟ فان قالوا : الحدوث على سبيل الاتفاق محال. فليذكروا ذلك ابتداء فى حدوث العالم. حتى يدل حدوث العالم على وجود الفاعل من غير حاجة الى ذكر هذا القياس.
وثانيها : هب أن أفعالنا واقعة بقدرتنا ، لكن لا نسلم أن علة الحاجة هى الحدوث. ودليله : الوجوه الكثيرة التى قدمناها فى أن الحدوث لا يمكن أن يكون علة للحاجة ، ولا جزءا لهذه العلة ، ولا شرطا لها.
وثالثها : هب أن حدوثها علة لحاجتها إلينا ، لكن لم لا يجوز أن تكون العلة هى ذلك الحدوث اعنى : ماهية الحدوث بشرط اضافتها الى تلك الأفعال الخاصة ـ والعالم وان حصل فيه الحدوث ، لكن لم يحصل فيه ذلك الشرط الخاص ، فلا يلزم أن يحصل فيه الحاجة الى الفاعل.
البرهان الرابع فى اثبات الصانع (١٩) الاستدلال بحدوث الصفات والعلماء حصروا ذلك فى نوعين : دلائل الأنفس ، ودلائل الآفاق.
أما دلائل الأنفس : فهى الاستدلال بتكون الانسان من النطفة. والله تعالى ذكر هذه الدلالة فى القرآن العظيم ، فى آيات كثيرة.
__________________
(١٩) فى اثبات العلم بالصانع : ب.