واحد منها يكون بسيطا فى نفس الأمر وفى الحقيقة. واذا كان كذلك ، فكل واحد من تلك الأجزاء يكون قابلا متشابه الأجزاء فى الحقيقة ، وتكون للقوة الطبيعية الفاعلة فيها قوة واحدة. ومتى كان الأمر كذلك ، وجب أن يكون كل واحد من تلك الأجزاء على شكل الكرة ، فوجب أن يكون بدن الانسان على صورة شكل كرات مضمومة بعضها الى البعض. ومعلوم أن الأمر ليس كذلك.
وأيضا فالنطفة رطوبة رقيقة ، وما كان كذلك فانه لا يحفظ ترتيب الأجزاء ، ولا نسبة بعضها الى بعض ، فالجزء الّذي يحصل من ذوبان الرأس قد يصير أسفل ، والجزء الّذي يحصل من ذوبان القلب قد يصير فوق. وكان ينبغى أن لا يبقى ترتيب الأعضاء ووضعها على نسبة واحدة فى الأكثر ، ولما لم يكن الأمر كذلك ، عملنا : أن انخلاق كل واحد من هذه الأعضاء وبقاءها على ترتيبها ، بتخليق قادر حكيم.
الا أنه بقى هاهنا أن يقال : لم لا يجوز أن يقال : انما حصلت بتخليق بعض الملائكة ، أو بتخليق الكواكب ، فانها أحياء ناطقة فاعلة مختارة؟ وعند ذلك لا بد من الرجوع الى البراهين المتقدمة.
وأما دلائل الآفاق : فبعضها سفلية عنصرية. ومجامعها الاستدلال بأحوال الحيوان والنبات والمعادن والآثار العلوية ، وبعضها علوية فلكية. ومجامعها الاستدلال بحول الافلاك والكواكب. والاستقصاء فى هذا النوع من الدلائل ، مذكور فى القرآن العظيم ، ومشروح فى كتابنا المسمى ب «أسرار التنزيل وأنوار التأويل».